د. تنيضب الفايدي
إن إرساخ المحبة ووشائج الوطن في كلّ من ينتمي إلى هذا الكيان الشامخ أمرٌ ضروري، لذا صدر أمرٌ ملكي يقضي بأن يكون يوم الحادي عشر من مارس من كلّ عام يوماً خاصاً بالعَلَم الوطني باسم (يوم العَلم)؛ لأنّ في ذلك اليوم عام 1937م- 1355هـ أقرّ الملك عبدالعزيز رحمه الله العلم بشكله الذي نراه اليوم بعد بعض التغييرات وهو يرفرف بدلالاته العظيمة. وقد نشأ الأطفال حتى قبل دخول المدرسة على حبّ هذا العَلم حيث يرونه منذ بداية حركتهم وتعلّمهم النطق ثم دخولهم المدرسة، حيث يسمعون ويشاركون تحية العَلم الصباحية في كلّ مدرسة، وينمو حبّه مع نموهم، ويشاركون في الاحتفالات المدرسية بأعلام صغيرة تحمل اللون الأخضر المحبب إلى النفس ثم يدركون معنى الشعار الذي يحمله (لا إله إلا الله محمد رسول الله) الذي تفيء إليه القلوب.. فلا أستغرب عندما كنت أشارك في العملية التربوية لا أستغرب أن أرى طفلاً بالصف الأول الابتدائي يقبل صورة العلم في الكتاب المقرر، إنه حب حقيقي للعلم وللوطن ولكنه لا يستطيع التعبير عن ذلك إلا بالتقبيل وتنشأ الأجيال على هذا الحب العميق.
ولاشك بأن ذلك يساهم في تعزيز القيم الوطنية وتحبيبها في نفوس المواطن والمواطنة. قال الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله: (إن الاحتفاء بيوم العلم يأتي تأكيداً على الاعتزاز بهويتنا الوطنية، وبرمزيته التاريخية ذات الدلالات العظيمة، والمضامين العميقة، التي تجسد ثوابتنا، وتُعد مصدراً للفخر بتاريخنا)، وهذا مثل يوم التأسيس السعودي أهميةً وتأثيراً والذي أصدر الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله أمراً ملكياً بأن يكون يوم 22 فبراير من كلّ عام يوماً لذكرى تأسيس الدولة السعودية.
والعلم والراية والبيرق كلّها أسماء لمسمى واحد، وهو ليس بأمر محدث فقد ثبت بأن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ العلم أو الراية في غزواته وسراياه شعاراً لاجتماع الكلمة ووحدة الصف، وفي فتح مكة كانت عدة رايات حملها أصحابه.
وتاريخ العلم الوطني السعودي قديم حيث بدأت قصته رمزاً للبلاد منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود عام 1727م. فهو ارتباط بإرث امتد ثلاثة قرون. وقد أوضحت دارة الملك عبدالعزيز أن أول راية رفعت في الدولة السعودية كانت عام 1157هـ، مشيرة إلى أن نظام رفع العلم صدر في عام 1357هـ (1938م) وأن نظام علم المملكة العربية السعودية صدر عام 1393هـ (1973م).
ويتميز العلم السعودي بمزايا عن الأعلام الأخرى فهو العلم الوحيد الذي لا يتم تنكيسه أو إنزاله إلى نصف السارية في حالات الحداد أو الكوارث والأحداث الكبيرة، كما أنه يحظر ملامسته للأرض والماء النجس والدخول به لأماكن غير طاهرة أو الجلوس عليه، وذلك لما يحمله العلم من دلالة دينية تعتز بالدين الإسلامي بإضافة كلمة التوحيد الإسلامية، ومن مميزات العلم السعودي أيضاً أنه ليس مستورداً أو مستوحى من أي علم آخر، بل هو يعكس عمق الدولة السعودية ويمثل هويتها وقيمها ومبادئها التي قامت عليها بعد رحلة امتدت ثلاثة قرون فهو شاهد على حملات توحيد البلاد وتاريخها العظيم، فكم من الأبطال دافعوا عنه بدمائهم وأرواحهم حتى لا يسقط أو يهان.
أما عن دلالات العلم فهو مميز بلونه ومضامينه، فكلمة التوحيد ترمز إلى التوحيد والسلام والتسامح والعدل والأخلاق، وهي المبادئ الأساسية التي قامت عليها الدولة السعودية، أما السيف فيرمز إلى القوة والعدالة وعلو المكانة والاستقرار، واللون الأخضر يدلّ على النماء والرخاء. وقد أشارت إليه دارة الملك عبد العزيز رحمه الله فقال: عبارة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) تعبر عن وحدانية الله وعلى أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو رسول الله وخاتم النبيين، و(السيف) يرمز للعدل والقوة. دمت يا عَلَمي مرفوعاً شامخاً ومحلقاً في عنان السماء.