العقيد م. محمد بن فراج الشهري
كل الدول تفتخر بأعلامها التي ترمز إلى تعريفها وقوتها وسلامها، إلا أن العَلم السعودي متفرد في أمور كثيرة أكثر تميزاً، وأشمل تفسيراً، وأعرق تاريخاً وسيرة، وشاهد التوحيد عبر ثلاثة قرون، وقف دونه الأبطال يذودون عنه بدمائهم، وأرواحهم حتى لا يسقط أو يهان. والمملكة العربية السعودية احتفلت للمرّة الأولى بيوم العَلم الوطني احتفاءً بقيمته الممتدة عبر تاريخ الدولة السعودية طوال 3 قرون، بوصفه رمزاً للوحدة والسيادة الوطنية، وشاهداً على تاريخ تأسيس، وتوحيد، وبناء الدولة واستقرارها بعد أن تقرر اختيار يوم 11 مارس «آذار» من كل عام يوماً للعلم السعودي وهو التاريخ الذي أقر فيه الملك عبدالعزيز - رحمه الله - العلم بشكله الحالي شعاراً للبلاد ورمزاً لقيم التوحيد، والعدل، والقوة، والنماء، والرخاء.
ففي يوم الخميس 11 مارس 1937م أصدر الملك عبدالعزيز أمره بالموافقة على قرار مجلس الشورى رقم (354) الذي أقر فيه مقاس العَلم السعودي، وشكله الذي نراه اليوم، بعد رحلة امتدت لثلاثة قرون، توارثته فيها الدولة السعودية في أطوارها المختلفة كما كان هذا العلم شاهداً على حملات توحيد البلاد، ومن هنا نص الأمر الملكي الذي أصدره الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله على «أن يكون يوم 11 مارس من كل عام يوماً خاصاً بالعَلم باسم يوم العَلم».
وكما ذكرت في المقدمة العَلم السعودي متفرد فهو ليس مستورداً أو مستوحى من أي عَلمٍ آخر، ويعكس عمق الدولة السعودية، ويجسد هويتها ويمثل القيم والمبادئ التي قامت عليها، وحسب المصادر التاريخية فإن العلم السعودي منذ عهد الإمام محمد بن سعود كان أخضراً مشغولاً من الخز «ما يُنسج من صوف وحرير» والإبر» يسمى «الحرير الخام» تتوسطه عبارة «لا إله إلا الله محمد رسول الله» وحتى في غياب سنوات الدولة، وكان آل سعود «يحملون الراية السعودية ولا يتخلون عنها» كما يؤكد المؤرخ السعودي عبدالرحمن الرويشد، ويضيف «ودون العَلم وقف الأبطال والصناديد يذودون عنه بدمائهم، وأرواحهم حتى لا يسقط أو يهان، فهو رمز الشعوب والأمم والأوطان.. وكان نظامه وتنسيقه وتحديد مكوناته تتوارث بشكل عُرفي».
أما التطورات التي صاحبت شكل العَلم، فقد أضيف في أعلاه سيفان متقاطعان ثم استبدل بالسيفين سيف مسلول، ثم وضع السيف تحت عبارة التوحيد، وكتبت تحته {نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ } ثم استقر العَلم على شكله الحالي، ومادمنا في سياق التاريخ للعَلم السعودي، فلعل من المناسب لجيلنا الحالي التعرف إلى حملة العَلم أو الراية، أو البيرق، الذين يحتلون مكانة تفوق غيرهم، لأن العدو يستهدفهم في المعارك قبل غيرهم بهدف إسقاط الراية، لذا لابد أن يتصفوا بالشجاعة، والحكمة، ورباطة الجأش، وحسب ما ذكر المؤرخ الرويشد فإن ممن حمل الراية في الدولة السعودية الأولى «إبراهيم بن طوق، وعبدالله أبو نهيّة الذي قتل أثناء حصار الدرعية عام 1818م، وفي الدولة الثانية/ الحميدي بن سلمة، وصالح بن هديّان، وإبراهيم الظفيري.. أما مع الملك عبدالعزيز فأول من حمل الراية/ عبداللطيف المعشوق في معركة استرداد الرياض عام 1904م، وحمل الراية بعده ابنه/ منصور المعشوق والذي قتل في المعركة نفسها، ثم تسلم الراية/ عبدالرحمن بن مطرف وحملها أبناؤه من بعده، مع الإشارة إلى أن هناك أفراداً، وأسراً كريمة أخرى تشرفوا بحمل العَلم السعودي في معارك وأماكن مختلفة من الجزيرة.
وعَلم المملكة العربية السعودية كما ذكرت سابقاً علم متميز، ليس بلونه فقط ولكن بدلالاته ومضامينه، فكلمة التوحيد ترمز إلى رسالة الإسلام، رسالة التوحيد والسلام، والتسامح، والعدل، والأخلاق، وهي المبادئ الأساسية التي قامت عليها الدولة السعودية، أما السيف فيرمز إلى القوة وعلو المكانة، واللون الأخضر يدل على النماء، والرخاء، لذا فإن العَلم السعودي بدلالاته الرمزية يمثل مفهوم وهوية الدولة، أما ارتباط الشعب السعودي بالعَلم، وماذا يمثل هذا العَلم للمواطن، فعلاوة على دلالاته ومضامينه العميقة، فإن العَلم يترجم احتياجات وتطلعات إنسان هذه الأرض التي تتلخص في الاستقرار، والعدل، والرخاء، فإذا كان معها السيادة والقوة والفخر فقد حصل المطلوب وأكثر.. ونحن ولله الحمد والمنّة نعيش عصر رخاء وأمن وقوة في عهد الملك سلمان حفظه الله ورعاه وولي عهده الأمين الذي يسعى جاهداً لجعل اسم السعودية والعَلم السعودي خفاقاً في كل أنحاء العالم..
والعصر الذي نعيشه الآن لا يشابهه أي عصر.. فهو خير ونماء وبركة، وأمن، واستقرار، كل هذا بفضل من المولى الكريم ثم قادة هذا الشعب الذين نذروا أنفسهم لخدمة أبناء هذا البلد، وقدموا المساندة والعون لكل مسلم محتاج، وساهموا بكل جدارة في استتباب الأمن والسلم العالمي.. فشكراً يا ملكنا المفدى وشكراً يا ولي العهد وعشت يا وطني رمز الخير والعطاء، والنماء دائماً وأبداً..