م. بدر بن ناصر الحمدان
أَنْسَنة المكان مفهوم ارتبط بالإنسان منذ بدأ حياته على الأرض واستخلافه فيها {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}، استطاع خلالها ذلك الإنسان تطويع البيئة المكانية التي نشأ بداخلها بما يجعلها مهيأة لأسلوب عيشه ورفع مستوى تفاعله معها، من بداية بحثه عن المأوى ونهاية باستثماره لمقومات هذه الأرض لمساعدته للبقاء على قيد الحياة ومن ثمّ التعامل معها كمصدر للحياة نفسها.
الأَنْسَنة هي مصدر أَنسنَ، ويقال إنها «لفظٌ اشتُقَّ من الإنسان، وهي نزعةٌ فلسفية أخلاقية تُركّزُ على قيمة الإنسان وكفاءَته»، ويرى عدد من الباحثين أن «فريديريك نيثهامر» هو أول من أعاد تقديم مصطلح «الأَنْسَنة» في الفكر الأوروبي الحديث لأول مرّة سنة 1808م، وتركزت حينها على تناول البعد الفلسفي البحت الذي يركز على إدراك الإنسان للثقافة المحيطة به، بينما تناولها المتخصصون في العمران في وقت لاحق على أنها تعبير عن تعزيز البعد الإنساني في المكان بما يجعل الحياة فيه أكثر جاذبية ورعاية وملاءمة.
ثقافة الأَنْسَنة داخل الأماكن العمرانية (المبنى، المجاورة، المجموعة العمرانية، الحي، وسط المدينة، المدينة نفسها) ذات السمة والخصائص التراثية هي المدخل إلى رفع تنافسيتها على مستوى وظائف المدن وتحفيز تنميتها واستثمارها وربطها بالإنسان الذي يعيش في محيطها، يقول المفكر الجزائري محمّد أركون: «إنّ الأنسنة، هي تكرّيس كلّ القيّم الّتي تعيد الاعتبار للإنسان».