عبدالرحمن الحبيب
يستمد شعار رئاسة الهند لمجموعة العشرين من ألوان العلم الهندي الزعفراني والأبيض والأخضر والأزرق، واضعاً كوكب الأرض الأزرق وفي قاعدته زهرة اللوتس، الزهرة الوطنية للهند التي تعكس النمو وسط التحديات. أسفل الشعار مكتوب «أرض واحدة، عائلة واحدة، مستقبل واحد»، وهو مأخوذ من نص سنسكريتي قديم زينت به المدن الهندية بأبهى الألوان.. في رئاسة مجموعة العشرين تحاول الهند التحدث باسم فقراء العالم باعتبارها «صوت الجنوب العالمي»، والتأكيد على أهمية الدول النامية القوية في هذا الجهد، وكرر مسؤولوها مراراً عن أنه لا يمكن لأي مجموعة أن تدعي قيادة عالمية دون الاستماع إلى أولئك الأكثر تأثراً بقراراتها وهم الفقراء؛ بينما يرى البعض أن ذلك ليس موجهاً للعالم قدر ما هو موجه للداخل كجزء من حملة انتخابية..
مجموعة العشرين، التي يمثل أعضاؤها 85 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، تعد منتدى دولياً لحل المشكلات العالمية الكبرى، لكن كما كان متوقعاً فإن اجتماع الأسبوع الماضي لوزراء خارجية المجموعة في نيودلهي، لم يتمكن من التوصل إلى توافق لإصدار بيان ختامي مشترك بسبب «الآراء المختلفة» بشأن الصراع الروسي- الأوكراني؛ رغم أن الدول تمكنت من الإجماع حول قضايا تتراوح من مكافحة الإرهاب إلى البنوك وغيرها حسبما أعلن وزير الخارجية الهندي الذي قال: «لقد حصلنا على وثيقة مشتركة مبنية على الجزء الأكبر من المشاكل، لكن الأطراف المتعددة لديها آراء مختلفة حول عدة مواضيع».
وكان قبلها بأسبوع لم يتوصل وزراء المالية لمجموعة العشرين إلى الاتفاق على بيان مشترك لنفس الأسباب بشأن النزاع الروسي الأوكراني، رغم أن رئيس الوزراء الهندي مودي قال إنه: لا ينبغي أن نسمح للقضايا التي لا يمكننا حلها معًا بأن تعترض طريق تلك التي نستطيع حلها؛ كما قال كبير الدبلوماسيين في الهند، فيناي كواترا، إنه في الوقت الذي تعد فيه الحرب في أوكرانيا نقطة مهمة للمناقشة، فإن «الأسئلة المتعلقة بأمن الغذاء والطاقة والأسمدة، وتأثير الصراع على هذه التحديات الاقتصادية التي نواجهها ستكون أيضاً مسألة يجب أن تلقى التركيز الواجب».
الأجندة الرسمية لرئاسة الهند لمجموعة العشرين أكدت على مطالب الدول الفقيرة مركزة على: مسائل النمو الشامل، وتمويل قضايا المناخ، والمؤسسات المتعددة الأطراف «الأكثر تمثيلًا» والتقدم في أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة، والتي تراجعت بسبب تداعيات جائحة كورونا. يقول موهان كومار، السفير الهندي السابق في فرنسا الذي يقود الأبحاث حول مجموعة العشرين في مدرسة جيندال الدولية للشؤون الدولية، بالقرب من دلهي: «ربما لن تحصل الهند أبدًا على المقعد الدائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لذا فهي تحاول العمل من خلال المنتديات الأخرى.»
ما مدى واقعية هذه الأهداف؟ ترى الإيكونيميست أن تاريخ الهند في «عدم الانحياز»، والوضع العالمي المتأزم بين الغرب وروسيا، يجعل الهند في موقع متميز، حيث يريد كلا الطرفين أن تلعب الهند دورًا عالميًا أكبر، فانقسامات مجموعة العشرين حول أوكرانيا ساعدت على ضمان أن يكون مؤتمر القمة الافتتاحي تحت الإشراف الهندي.. فضلاً عن النظر إلى الهند على أنها جسر محتمل إلى العالم النامي..
لكن الأخبار تذكر أن الاجتماعات حتى الآن لم تحقق إلا القليل، ومن المستبعد أن تتوصل مجموعة العشرين إلى إجماع، ناهيك عن اتخاذ إجراء بشأن أي بند مهم على جدول أعمال الاجتماعات القادمة، حتى في البيان الذي أعدته الهند بشأن الحرب وعواقبها الاقتصادية في اجتماع وزراء المالية رفض ممثلا الصين وروسيا التوقيع عليه لوجود «وجهات نظر أخرى وتقييمات مختلفة للوضع». روسيا اتهمت الغرب بـ»زعزعة استقرار» مجموعة العشرين باستخدام «الابتزاز» لفرض «إملاءات» مناهضة لروسيا؛ بينما قالت وزيرة المالية اليابانية سوزوكي شونيتشي للصحفيين «أصبح من الصعب على مجموعة العشرين الدخول في مناقشات بناءة بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا».
لكن ماذا عن القضايا الأخرى؟ يبدو أن الأجواء محتقنة، أو كما تذكر الإيكونيميست، ففي هذه الأيام هم ليسوا متحدين تقريباً في أي قضية. يقول هيريبرت ديتر من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية إن إعادة هيكلة الديون السيادية هي نقطة شائكة أخرى. «لقد أوضحت الصين أنها لن تشارك في إعادة الهيكلة، ولن تقبل الدول الغربية قص الشعر فقط من أجل الأموال التي سيتم إنفاقها على السداد للصين». وكذلك الأمر بالنسبة للأولويات الهندية الأخرى كتمويل المناخ التي أعاقها فشل الدول الغربية في الوفاء بالتعهدات الطويلة الأمد بشأنها، حتى في الوقت الذي تراكمت فيه البلدان النامية مطالب إضافية لمدفوعات «الخسائر والأضرار» التعويضية..
يبدو أن رئاسة الهند لمجموعة العشرين بشعارها البرّاق ستكسبها الكثير من الأضواء الإعلامية، لكن المجموعة منقسمة بحدة من قبل عدة خطوط صدع جيوسياسية.. أمريكا وبعض حلفائها داخلون في صراع اقتصادي وأيديولوجي مع الصين.. وفي خلافات عسكرية حادة مع روسيا.. الهند قلقة من الصين.. أما فيما يتعلق بأوكرانيا، فإن بعض البلدان الفقيرة والمتوسطة الدخل، وفي مقدمتها الهند، قلقون بشكل أساسي من التأثير الضار للعقوبات الغربية على الغذاء وأمن الطاقة ومواردهم المالية..