خالد بن حمد المالك
الوصول إلى اتفاق بين المملكة وإيران، لنزع فتيل الخلافات ليس هدفاً سعودياً - إيرانياً فحسب، وآثاره الإيجابية لا تقتصر على الرياض وطهران فقط، وإنما هو اتفاق تستفيد منه كل دول المنطقة ودول العالم أجمع، لما لإيران والسعودية من أهمية ودور فاعل في تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، ما لا يمكن تحقيقه بوجود خلافات بين الرياض وطهران.
* *
وليس من المناسب أن نفتح صفحة الماضي بكل سوءاتها، ونتحدث عن أسباب التوتر في المنطقة، ومن هي الدولة المسؤولة عنه، إذ يجب أن ننظر إلى المستقبل بأمل كبير، وعلى أن هذه المصالحة ستكون الأخيرة في بناء أفضل العلاقات بين الدولتين، وبالتالي لا تعود إحدى الدولتين إلى تسخين الخلافات، وخلق ذرائع واهية لأسبابها.
* *
كما يجب ألا يغيب عن أذهاننا أن خلافات سابقة كان لها أسبابها، وتم الاتفاق على معالجتها لكنها بسبب بعض الممارسات المزعزعة للاستقرار ما لبثت أن تعرضت للفشل، ومن ثم تمّ تقويض كل ما تمّ الاتفاق عليه، بسبب أمور كثيرة أبرزها التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وفي هذا الاتفاق نرجو أن تستفيد الدولتان وكل دول المنطقة من التجربة المريرة في عدم الاستقرار في المنطقة، فيتم الالتزام بما تم الاتفاق عليه بين المملكة وإيران، كي يصمد هذه المرة حرصاً على المصالح المشتركة.
* *
إيران دولة مسلمة، وجارة لعدد من دول المنطقة، ويجمعها بدول الخليج العربي تاريخ مشترك، وليس في مصلحة إيران أن تكون دولة مقصاة أو منبوذة، أو بدون تعاون مع دولنا، ذلك أن عودة العلاقات الثنائية بين إيران والمملكة تجسد رغبة شعبي البلدين، وتمتد هذه الرغبة والتمسك بها إلى جميع شعوب المنطقة، وفي اعتقادي أن ما تم الاتفاق عليه في بكين لن يكون مماثلاً أو مشابهاً للاتفاقيات السابقة التي لم يطل الالتزام بها، وبالتالي عادت الخلافات من جديد، كون هذا الاتفاق تم التحضير له طويلاً وعميقاً في كل من بغداد ومسقط وتوج في بكين.
* *
ومن الواضح أن هناك حرصاً من الدولتين في تسريع إعادة العلاقات بين البلدين، وفتح السفارات، وتبادل السفراء، بتحديد موعد لتحقيق ذلك بما لا يتجاوز الشهرين، وهي فترة قصيرة، لكنها تظهر التصميم الثنائي على إنجاز ما تم الاتفاق عليه، ورغبة الطرفين بفتح صفحة جديدة من الأخوة بينهما، وأن كل طرف سوف يتحمل مسؤولية ما يخصه مما صدر به البيان المشترك، بكل مسؤولية، وحرص على تعزيز العلاقة والشراكة وتبادل المصالح بين الجارين، وهو أمل طال انتظاره، ولكن ها هو يتحقق الآن.
* *
على أن الحرب الدموية في اليمن، والوضع المأساوي في لبنان، وغيرهما كان بسبب التدخل في شؤون دول المنطقة، وطهران تعرف ذلك جيداً، وليس هذا مجال إنكاره، وهو ما يعني أن أي تزويد للحوثيين بالسلاح، ومثله لحزب الله اللبناني بعد هذا الاتفاق، إنما يقوّض فرص السلام في المنطقة للخطر، بينما المطلوب الآن ومستقبلاً بعد هذا البيان بعودة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين مساعدة اليمنيين واللبنانيين على تجاوز ما تمر به الدولتان من محن مدمرة، لتتجاوزا ذلك، والانتقال بعد ذلك إلى معالجة الأوضاع في سوريا والعراق، والتعامل بإيجابية مع البؤر المتوترة أينما وجدت في منطقتنا بروح من المسؤولية، والجهد المشترك، وهي تفاصيل من المؤكد أنها كانت ضمن ملفات الحوار الطويل بين الدولتين.
* *
دول العالم رحبت بإعادة العلاقات بين السعودية وطهران، ورأت فيه صفحة جديدة من العلاقات الطيبة بين دولتين كبيرتين، لكنها لم تخف تخوفها، من أن تأتي ممارسات تقوّض هذا الاتفاق، والمعنى بذلك التدخل في شؤون الدول الداخلية التي نص عليها البيان المشترك، ما يعني أن الالتزام بعدم التدخل في الشؤون الداخلية في الدول، هو الطريق الصحيح نحو سلام دائم، واستقرار لا يعكر صفوه تصرف غير مسؤول، في ظل التوجه نحو بناء أوثق العلاقات بين المملكة وإيران، وامتداداً بين إيران وكل دول المنطقة في أجواء تسودها علاقات من المحبة والتعاون المشترك.