د.عبدالعزيز الجار الله
قدم د. عبد الرحمن بن محمد الطيب الأنصاري -رحمه الله رحمة واسعة- (19 أكتوبر 1935 - 6 مارس 2023) عالم الآثار والمؤرخ المعروف أستاذ الدراسات الأثرية بجامعة الملك سعود، الذي أعاد اكتشاف الموقع الأثري الأشهر ببلادنا السعودية والجزيرة العربية قرية الفاو جنوب منطقة الرياض، وأشرف على أعمال التنقيب فيه لأكثر من عقدين، قدم أنموذجاً فريداً للأكاديمي الباحث الذي فضل أن لا يحيد عن حب الأرض وحب تاريخ الناس، رغم الإغراءات والعروض التي قدمت لجيله من أعمال وظيفية إدارية وتجارية لكنه انحاز إلى قاعات الطلاب والتنقيب عن تاريخ بلاده، كان يستكشف (يستاف) رائحة تراب الحفائر بحثًا عن مدن دفنت تحت الرمال، وأخرى تحت: السبخات، طيات الجبال، وهد التهام. وثالثة غمرتها مياه البحر غارقة مع سفن محطمة. هذا هو عبدالرحمن الأنصاري، رحل وهو ممسك: بالفخار، الخزف، كتابات المسند الشمال، وقرى طريق الحرير، ممسك في وسط المملكة الرياض القصيم: ممالك كندة، أسد، عبس، أيام العرب. في حائل: درب زبيدة، وارث جبال أجا وسلمى. في تبوك: تيماء، لحيان دادان، ابجدية الأنباط. في الجوف: وأدوماتو أسوار دومة الجندل. في المدينة المنورة: العلا، مدائن صالح. في مكة المكرمة: طرق قوافل درب الحجيج ورحلات الشتاء والصيف. في نجران: الأخدود. في الباحة، عسير، جازان: جرش، عثر، التوطين في أعالي جبال السروات. في الحدود الشمالية: الشويحطية. في الشرقية: حضارة الألف الثالث ق.م في سواحل الخليج العربي. وكذلك حضارة ثمود، وآخر حكاية قوم عاد.
كانت ولادة د. الأنصاري بالمدينة المنورة عام 1935 قبل بداية الحرب العالمية الثانية: التي أشعلت أوروبا من سبتمبر 1939 إلى سبتمبر 1945م، أي أن د.الأنصار تشبعت ذاكرة طفولته بسنوات الحرب العالمية الثانية حيث اهتز العالم من الحرب والتي معها تحررت معظم الدول العربية من الاستعمار الأوروبي وانسحاب الغزاة من المنطقة العربية.
حصل الأنصاري على شهادة الليسانس في اللغة العربية والأدب من جامعة القاهرة عام1960 ثم ابتعث إلى المملكة المتحدة وحصل منها على شهادة دكتوراه الفلسفة من قسم الدراسات السامية بجامعة ليدز عام 1966، من هنا بدأ التكون الأكاديمي الذي رسخ لديه هذا الانتماء والولاء لوطنه ولتاريخه العامر منذ آلاف السنين وجعله عاشقاً للتنقيب والبحث عن شواهد التاريخ، ففي مرحلة الدكتوراه تدرب على أعمال التنقيب الأثري والحفريات مع المشرف على رسالته في جامعة دورهام وفي موتيا بصقلية، والتنقيب في القدس عام 1966 مع البروفيسورة كاثلين كينيون.
عمل د. عبدالرحمن الأنصاري عضواً في هيئة التدريس بجامعة الملك سعود منذ العام 1966 وحتى العام 1999، عمل عميداً لكلية الآداب في الفترة من 1971 وحتى 1972 وفي الفترة من 1988 وحتى 1994، كما عمل رئيساً لقسم التاريخ من 1974 وحتى 1978 ورئيساً لقسم الآثار والمتاحف من 1978 وحتى 1986 وهي الفترة التي تعرف العديد من طلابه عليه، وأنا واحد من الطلاب حين كانت عام 1979 عام التحولات الحضارية التي تعيشها بلادنا فيما يعرف بالدورة الاقتصادية الأولى 1975 - 1985 حيث اتجه الجميع إلى التجارة والعقار وبناء المؤسسات والشركات والاستثمار التجاري المفتوح، فقد بقي د. الأنصاري ود. سعد الراشد ود. أحمد الزيلعي وجيل من الباحثين والدارسين بالثبات في قاعات الجامعة في الملز بالرياض حراساً على شواهد التاريخ وخزائن المتاحف، وهم في الهم اليومي يحفظون الأزمنة برائحة وطعم بلادنا.
يعد د. الأنصاري من أهم رواد العمل الأكاديمي في المملكة، فقد أسس لدراسة علم الآثار بإنشاء تخصص الآثار ضمن قسم التاريخ بجامعة الملك سعود ثم بإنشائه قسم الآثار والمتاحف بالجامعة عام 1978، أبرز الأعمال التي قام بها قيادته لأعمال التنقيب الأثري في قرية (الفاو) منذ عام 1972 وحتى 1995، أيضاً تأسيس حفرية وأبحاث مدينة الربذة في العهد الإسلامي المبكر التي أشرف على أعمالها د. سعد الراشد. وقد أصدر د. الأنصاري مع أساتذة علم الآثار والتاريخ العديد من المطبوعات المتخصصة في هذا المجال، فمن إصداراته:
قرية الفاو: صورة للحضارة العربية قبل الإسلام في المملكة العربية السعودية. نجران: منطلق القوافل.
العلا ومدائن صالح (الحجر): حضارة مدينتي. حائل ديرة حاتم.
الطائف: إحدى القريتين.
خيبر: الفتح الذي سُر به النبي صلى الله عليه وسلم. الحضارة العربية الإسلامية عبر العصور في المملكة العربية السعودية. تيماء ملتقى الحضارات. الجوف: قلعة الشمال الحصينة. عسير: حصن الجنوب الشامخ. الباحة: الجمال الباسم. القصيم: تاريخ وحضارة وتجارة. القطيف والأحساء: آثار وحضارة. الرياض: عروس المدائن.