خالد محمد الدوس
لا شك أن القياس الاجتماعي ليس غاية في حد ذاته ولكنه وسيلة تستخدم لفهم الظواهر والمشكلات الاجتماعية ولخدمة العلم والمجتمع على السواء، ويمكن تحديد أهم أهداف القياس الاجتماعي في أن إحدى المهام في البحث العلمي هي مناقشة العلاقات بين المفاهيم، ولذلك فإن أحد أهداف القياس الاجتماعي هي صياغة تلك العلاقات بعبارات تصف بدقة درجة الاتحاد أو الترابط بين اثنين أو أكثر من المفاهيم كما أن من الأهداف تكميم المفاهيم للوصول إلى القوانين التي تحكم الظواهر الاجتماعية من خلال التعرّف على خصائصها والمتغيّرات المتعلقة بها. كما أن من أهداف القياس الاجتماعي اختبار النماذج والنظريات الاجتماعية ومن خلال تطبيق المقاييس الاجتماعية نستطيع الوصول إلى نتائج يمكن توظيفها لحل مشكلات الفرد والمجتمع.
ولا مناص أن دراسة خصائص الظواهر الاجتماعية بأسلوب كمي ومن خلال المقاييس الصادقة والثابتة نسبياً أعطت للعلوم الاجتماعية قوة وأهمية ومكانة بين باقي العلوم الأخرى. ويعتمد هذا الأسلوب في البحث على استخدام المقاييس والمؤشرات الإحصائية بطريقة علمية وموضوعية سليمة في تقصي الحقائق وتحديد أدق الخصائص ومعرفة أسباب الحركة المستمرة لأهم ظواهر حياتنا اليومية، ونتيجة لاستخدام الأسلوب الكمي في تحليل المعلومات أصبحت النتائج على درجة عالية من الدقة تصبح أساساً سليماً مطمئناً لاتخاذ القرارات, كما أن التطور العلمي للدراسات الكمية في الدراسات الاجتماعية ومصاحبة هذا التطور بتطور النظريات واستخدام النماذج النظرية الجديدة لها والتي لها تطبيقاتها الواسعة الانتشار في العديد في نواحي الحياة المعاصرة المعقدة أدى بالتالي إلى وجود الأسلوب العلمي في إطار إحصائي على درجة عالية من الكفاءة في استخلاص النتائج بطريقة موضوعية.
وعبر هذه الزاوية الثقافية نسلط الضوء على أهم معطيات كتاب «القياس الاجتماعي في الدراسات الاجتماعية» للمؤلف والخبير الاجتماعي التنظيمي الأستاذ الدكتور عبيد بن عبد الله العمري أستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك سعود.
الكتاب يتضمن محاولة مناقشة لأهم القضايا والمسائل المتعلقة بالقياس الاجتماعي والمطروحة في أدبيات علم الاجتماع بوجه عام ومناهج البحث الاجتماعي بوجه خاص وتقييم وجهات النظر التي طرحت حول هذا الموضوع المهم. قسم المؤلف موضوعات الكتاب إلى خمسة فصول تضمن الفصل الأول العلاقة بين المفاهيم والقياس, وناقش الفصل الثاني مستويات القياس, وهي أولاً: مستويات القياس (القياس الاسمي والمقياس الرتبي والمقياس الفئوي والمقياس النسبي)، ثم مناقشة العلاقة بين مستويات القياس والأداة الإحصائية, وتناول الثالث الفصل الثبات والصدق.. شمل الثبات طرق حساب معامل الثبات وهي طريقة إعادة التطبيق وطريقة النماذج المتكافئة (المتوازنة) وطريقة التجزئة النصفية وطريقة الاتساق الداخلي، كما تضمن العوامل المؤثّرة في ثبات المقياس, في حين تضمن مسار الصدق: الصدق البنائي وصدق المحتوى والصدق الظاهري وصدق المعاينة, كما تضمن هذا الفصل صدق المحك (الصدق التنبؤي والصدق التلازمي, وأيضاً تناول جانب الصدق الداخلي والصدق العاملي, وكذلك العوامل التي تؤثّر في الصدق, في حين عرض الفصل الرابع موضوع مصادر الخطأ في أداة البحث (المقياس) وتضمن أولاً: أخطاء العينة (مجتمع البحث وحجم العينة وإطار المعاينة (العينة), وثانياً: التحيزات في العينة (أسباب التحيز في العينة)، وثالثاً: تأثير إجابات المبحوثين (طريقة تنفيذ جمع البيانات, ونوعية الأسئلة المستخدمة (المفتوحة - أو المغلقة) وترتيب الأسئلة وطول الأسئلة ونوع الكلمات المستخدمة, ونوعية الاختيارات داخل المقياس (بدائل الإجابة) كما تناول هذا الفصل تأثير البيانات والإجابات المفقودة. أما الفصل الخامس فقد استعرض خطوات بناء القياس، والمصادر العلمية لبناء القياس, يشمل أولاً: النظريات العلمية وثانيا: الدراسات السابقة, بالإضافة إلى الاعتبارات الأساسية لبناء المقاييس الاجتماعية, وكذا خطوات تصميم المقياس وتقنينه على ارض الواقع. وهي عشر خطوات تناولها المؤلف في هذا الفصل.
الكتاب إجمالاً يعد إضافة علمية رصينة في مكتبة علم الاجتماع العربي وتراثه الأصيل، ومرجعا هامة لطلاب وطالبات قسم علم الاجتماع وتحديداً في مناهج الأحصاء والبحث الاجتماعي في ظل التطور العلمي للدراسات الكمية في الدراسات الاجتماعية.