كان لرحلة الدكتور محمد بن عبدالله المشوح الشاقة مع العلم والمعرفة مضرب المثل والفخر، فمنذ نعومة أظفاره وفي خضم كفاحه مع الأسرة وخاصة والدتنا واخوتي، والمسؤوليات التي كانت على عاتقه بعد وفاة والدنا وهو في السابعة عشرة من عمره، لم يمنعه ذلك من ممارسة حبه للعلم والمعرفة من خلال اقتناء امهات الكتب، فلن ننسى نحن الإخوة في منزلنا في حي الموطأ حينما حول تلك (البرندة) المطلة على الحديقة إلى مكتبة فيها أمهات الكتب، وقد صنفت من أبناء الحي والزوار بأنها الأكبر في حينا من حيث محتواها واتساعها، تجلى كل ذلك في عشقه الأدبي الذي لم يفارقه طوال مسيرته وانخراطه في مشاغل الحياة، الذي لم يمنعه من البروز في مجال الثقافة فقد كان حريصاً على تبني نفسه من خلال مشاركاته الثقافية في مدينة بريدة ثم تطورت طموحاته بانتقاله للرياض ودخوله مجال الإعلام من خلال الإذاعة السعودية مع رفيق دربه في تلك الرحلات الإذاعية وهو الشيخ محمد بن ناصر العبودي رحمه الله وعدد كثير من كبار العلماء الأجلاء، كما كان لكتاباته في الصحف والمجلات نصيب من صناعة شخصيته الثقافية الوطنية الثابتة، وفي مجال التأليف والنشر فقد ألّف عشرة مؤلفات قيمة طبعت ولديه الكثير من المسودات بين يديه غزيرة بالمعلومات الوطنية والثقافية وأعلام الرجال تنتظر النور لتسطع وتنفع المجتمع, فهذا الشغف الثقافي لدى الدكتور محمد تجلى في عشقه للعلم والعلماء وملازمتهم، كما انه لم يكتفِ بذلك بل قام بتأسيس صالون ثقافي يسعى فيه لتبني المثقفين والكتاب، ونحن نعلم جميعاً أهمية تبني الحراك الثقافي في المملكة العربية السعودية وعدم التوقف عند مرحلة ثقافية واحدة فنحن دائماً في صعود مطرد يتمثل ذلك في أكثر من عهود زمنية، ومن خلال صالون الثلوثية، وانا ممن عاش نواته وبداياته في الرياض منذ عام 1420ه 2000م في حي المروج ثم انتقل لحي الغدير ووضع له مجلس خاص قلما نشاهد مثله خصص للعلم والثقافة, هذه الصورة الجميلة التي عرفتنا بقاماتها الثقافية التي أنارت ذلك الصالون ولازالت تزرع فيَّ، وفي مرتاديها، شغفاً ثقافياً رائعاً أعيش حلاوته من خلال التنوع في الرجال ولازلت اتشرب منها واعيش في ينبوعها الجميل وغير الكثير، نعم انه صالون الثلوثية الذي كان ولازال يجمع نور العلم من صفوة المجتمع منهم المسؤول والكاتب والمؤلف والناشر والصانع، لقد بذلت هـذه الثلوثية ممثلة بالدكتور محمد بن عبدالله امشوح الشيء الكثير لصناعة محتوى ثقافي وطني مميز، ففي كل شهر تسعد مسامعنا بقامة وعلم من أعلام الوطن، إن تلك المعطيات صنعت لنا جيلاً مثقفاً مشرباً فيه حب الوطن من خلال تلك الشخصيات الرائعة التي طرحت لنا تجربتها الوطنية المتنوعة، ولم تتوقف رحلة الدكتور الثقافية عند هذا الحد بل قام بإنشاء دار للنشر عام 1428ه 2007م، ومن خلال تلك الدار زادت الاحلام والطموحات لرواد وزوار صالون الثلوثية وأولهم صاحب الدار الذي تبنى شباباً تشربوا حب الوطن من تلك الجلسات الثقافية التنويرية وأنا منهم فجعلت نفوسنا تتراقص فرحاً في الطرح والمشاركة ومن ثم الكتابة والتأليف على خطى رموز ثقافية كانت حاضرة، كان لشغف البداية بالكتاب أثر ظاهر وجلي اليوم حينما كرس الدكتور كل مكاسبه العلمية والثقافية من خلال دار الثلوثية ورصد التأريخ الوطني وتراث هذا الوطن عبر طباعة الكتب مهما كان العائد قليلا فقد كان ولازال همه حفظ تاريخنا وسطوعه في الساحة الأدبية وبرغم من قصر عمر دار الثلوثية للنشر إلا انها صنعت محتوى لم يطرح قبل دار الثلوثية حسب ما شاهدت نعم إنها دار أضافت وأثرت الساحة الثقافية بالشيء الكثير والنافع لهذا الوطن وتاريخنا الوطني.
** **
- حمود بن عبدالله المشوح