جانبي فروقة
الدعم الأمريكي للأوكران في عام واحد بلغ 46.6 مليار دولار وتجاوز بذلك معدل الصرف الأمريكي في حربها على أفغانستان، والبالغ 43.4 مليار دولار بين عامي 2001م و2010م، وكذلك حرب العراق بين عامي 2003 و2010م، والذي بلغ متوسط الصرف العسكري فيه 125.1 مليار دولار سنوياً (حسب شركة Statista).
بعد الغزو الروسي لأوكرانيا أصبحت روسيا الدولة الأكثر تعرضاً للعقوبات في العالم، حيث تم فرض 14.081 عقوبة على الأفراد والكيانات الروسية، وتجاوزت بذلك العقوبات المفروضة على إيران، والتي كانت إلى فترة قريبة الدولة الأكثر تعرضاً للعقوبات بالعالم مع 3.617 عقوبة نشطة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وأستراليا وكندا والهند وإسرائيل. كما انسحبت أكثر من 1.000 شركة عالمية من السوق الروسي مثل غوغل, ديزني، اكسون، وفولكسفاغن ومكدونالدز وغيرها..
بعد مرور عام على الحرب الروسية الأوكرانية نتذكر التكلفة البشرية المروعة حيث إن أوروبا شهدت أكبر عملية نزوح منذ الحرب العالمية الثانية، ونزح ما يقرب من 40 % من مواطني الدولة الأوكرانية، وبات أكثر من 8 ملايين لاجئ في أوروبا وأمريكا الشمالية وأكثر من 5 ملايين نازح داخلياً، وقد صرح الرئيس الروسي بوتين بأن موسكو لها الحق بالسيطرة على الأراضي، واستعادة الأراضي المفقودة، خاصة بعد توسع الناتو شرقاً وإحجام أوكرانيا عن تطبيق اتفاقيات مينسك في دونباس.
سيعيد الاتحاد الأوروبي تعريف الأمن الأوروبي، وسيعمل على بلورة سياسة الردع لروسيا، والتوصل لتسوية نهاية الحرب ستكون مكلفة ومؤقتة. والقادة الغربيون سيدعمون تسليح أوكرانيا لردع هجوم روسي جديد، وستستمر إمدادات دبابات أبرامز وليوبارد وبرادلي ومركبات قتالية أخرى وصواريخ، ويمكن طائرات مقاتلة في نهاية المطاف، ولكن مما لا شك فيه أنه سيتم تأخير دعم عضوية أوكرانيا في الناتو.
كان الأوروبيون قبل الحرب -وحسب المحللة تارا فارما- منقسمين حول نهجهم حول روسيا، فمنهم من امتاز بالقرب الاقتصادي، وحذر البعض من التهديد الوجودي الذي تشكله روسيا، وأراد آخرون دمج روسيا في هيكل أمني أوروبي جديد، وحسب المحللين كان الرئيس الروسي يراهن على هذه الانقسامات في غزوه لأوكرانيا، ولكن المقاومة الأوكرانية والدعم المهول بالأسلحة الفتاكة الدفاعية من قبل الغرب للأوكران غيّر من معادلة النصر الروسي السريع المتوقع.
نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية سيكون لها وزن خاص على سيادة ومستقبل الاتحاد الأوروبي، فقد غيّرت الحرب سياسات دول الاتحاد الأوروبي وحسب تارا نرى الدنمارك تشارك الآن في مبادرات دفاعية بعد أن كانت قد انسحبت منذ 30 عاماً، ونرى أيضاً السويد وفنلندا تهرولان رسمياً للانضمام للناتو، والكثير من الدول تعمل على زيادة إنفاقها الدفاعي والعسكري.
وفي الطرف الشرقي ومع استعداد الصين لمنافسة طويلة الأمد مع الولايات المتحدة الأمريكية تم دفع الصين إلى شراكة عميقة مع الروس، مع التقاء مصالحهما في تحديهما لنظام عالمي يهيمن عليه الغرب، ويسعى لفرض معاييره وقيمه، ومع أن الصين امتنعت عن تزويد روسيا بمعدات عسكرية، ولكنها لم تستنكر الغزو الروسي وامتنعت عن فرض عقوبات اقتصادية، بل ازدهرت التجارة بين الصين وروسيا في العام الماضي محطمة الأرقام القياسية السابقة لتصل إلى أكثر من 190 مليار دولار، أوضحت الصين موقفها -مؤخراً- من التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية، والتي تجلت في نقاط عدة: تتضمن احترام سيادة جميع الدول ورفض المعايير المزدوجة، والتخلي عن عقلية الحرب الباردة، واتباع رؤية الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام، ووقف جميع الأعمال العدائية، حيث إن الصراع والحرب لا يفيدان أحداً، واستئناف محادثات السلام والتفاوض هو الحل الوحيد، وحل الأزمة الإنسانية وحماية المدنيين وأسرى الحرب، والمحافظة على سلامة محطات الطاقة النووية، وتقليل المخاطر الاستراتيجية، وعدم استخدام الأسلحة النووية، وتسهيل تصدير الحبوب، ووقف العقوبات الانفرادية، والحفاظ على استقرار الصناعة وسلاسل التوريد، وتشجيع إعادة الإعمار لأوكرانيا بعد الصراع.
وبرزت إيران في السنة الأولى من الحرب الروسية في أوكرانيا كورقة شرسة غير متوقعة حسب المحللة سوزان مالوني فهي الدولة الوحيدة التي قدمت أسلحة هجومية إلى موسكو، وهذا تحول جيوسياسي إيراني خطير، ووصف المراقبون العلاقة بين طهران وموسكو بأنه تحالف المصالح وهي حالة انتهازية قصيرة الأمد.
يعلق الكاتب بروس جونز قائلاً: رغم أن غزو روسيا لأوكرانيا لا يصنف حتى الآن ضمن أكثر الحروب الدموية، ولكنها بالتأكيد الأخطر، فغزو دولة نووية لدولة ذات سيادة على حدود أعضاء الناتو، يهدد بطموحات توسعية أبعد، وخطر نووي وشيك، فحسب جونز: إن تطور العمليات الاستخباراتية الأمريكية قبل الحرب أذهلت الصين، مما حدا بها أن تفرمل طموحاتها التوسعية الإقليمية بضم تايوان، وجعل شراكتها مع روسيا شراكة حادة يمكن أن تجرح أي من الطرفين.
تعيد اليوم كل دول العالم صياغة مفاهيمها الأمنية وبناءها -حسب جونز- على أساس حقيقة التوتر المستمر بين القوى العظمى، وليس الاستقرار الذي دام 40 عاماً، وكذلك على تقليل الاعتماد على الشركاء غير الموثوق بهم، ويبرز اليوم مفهوم إنشاء ودعم القواعد التجارية لدعم النمو الإنتاجي بشكل أفضل في الاقتصادات الناشئة، وتحاول الاستثمارات التكيف مع هذا النهج الجديد.
مما لا شك فيه أن العالم لا يريد سلاماً كسلام معاهدة فرساي عام 1919م التي أنهت فصول الحرب العالمية الأولى، ومهدت إلى تفجير الحرب العالمية الثانية.
يقول المثل الإيطالي (العسل يعمل بشكل أفضل من الخل) وهناك الكثير من الأصوات التي تقول إن العقوبات الاقتصادية لم تعد تعمل بشكل فعال، ويجب أن يتم ايجاد حلول فعالة ذكية بديلة.