بفضل الله سبحانه وتعالى، وفي أجواء أسرية باذخة، التقى منسوبو مؤسسة الملك فيصل وقطاعاتها المختلفة، في رحاب «مدارس الملك فيصل» في حي السفارات بالرياض، عصر يوم الأحد 06-08-1444هـ الموافق 26-02-2023م، حيث أقام «ملتقى الفيصل» محطته الثالثة للمضي قدمًا في إطار مفهوم هذا الملتقى وما يتمخض عنه من ومضات اجتماعية غاية في الجمال، يتمثل ذلك في إضفاء روح الألفة الممزوجة بمشاعر التقدير والاحترام بين الأفراد في أجواء الأسرة الواحدة، وتعميق الترابط بين الأفراد على نحوٍ يرفع من مستوى التواصل والتشاور وتلاقح الأفكار، وإبراز المهارات والمواهب لدى الأفراد، خصوصاً ما يتصل منها بالنشاطات الترفيهية الذهنية والرياضية بمختلف أنواعها، وتحقيق التكامل الجمعي المؤدي إلى الإسهام بفاعلية في مسيرة الإنجاز بروح الفريق الواحد، وترسيخ المفاهيم الإيجابية للعلاقة القائمة بين الرئيس والمرؤوس بما يعزز لدى الأفراد معالم الأمان المحفز نحو الانخراط في تحقيق النجاحات، وإبراز مكانة الفرد بوصفه عنصراً أساسياً في تكوين المجتمع، وبالتالي إخراجه من حيز (الأنا) الضيق إلى فضاء (نحن) الفسيح، وفي الوقت نفسه إيمان المجتمع بقيمة الفرد، وإثراء مسببات ثقته بنفسه مما يعمق لديه مشاعر الانتماء لبيئته ومجتمعه، ومن ثم استشعار المعنى الحقيقي لمفهوم المصلحة العامة التي تعود بالخير على الجميع. ومما زاد الجمال جمالًا في هذه المحطة من «ملتقى الفيصل» أنها بالإضافة إلى كل ذلك اتسمت بتوثيق مناسبات عزيزة على قلوبنا.
أما التوثيق الأول؛ فيتصل بمناسبة «يوم التأسيس» عبر ما تزين به المكان من مشاهد وطنية تبعث على الفخار؛ إذ اشرأبت العيون وانتعشت النفوس بعبق الماضي الممتد لثلاثة قرون من البناء، لقد شدت انتباهي القطع المعدنية المتناثرة في أرجاء المكان، والجلسات العربية الأصيلة بألوانها الزاهية، وخضَّاضة اللبن (أو السقا أو القربة) المتدلية من ثلاث خشبات طويلة مربوطة من الأعلى ومتباعدة من الأسفل على شكل هرم أو مثلث. وشدني ذلك الفيديو الذي عرض عبر شاشة تلفزيونية كبيرة لواحد من الفنون المذهلة وهو الرسم بالرمل، ولا أقول فقط إن تلك اليد المتمكنة استطاعت أن تقدم للمتلقي رسومات دقيقة، بل تمكنت بما وهبها الله -عز وجل- من قدرات من تقديم قصص تاريخية تستحضر الكثير من تفاصيل الماضي وهي تتنقل من رسمة إلى أخرى. وكانت لحظات لافتة بكل ما تحمله الكلمة من معنى لأولئك الشباب وهم يقدمون العرضة النجدية؛ أو رقصة السيف، مصحوبة بضربات متناسقة على طبول كبيرة بالتزامن مع نغمات أصوات الشباب وهي تصدح بأهازيجهم الخاصة بهذا النمط من التراث السعودي الشامخ مما حفز الحضور -وفي المقدمة صاحب السمو الأمير بندر بن سعود بن خالد، وصاحب السمو الأمير منصور بن سعد آل سعود، ومعالي الدكتور محمد آل هيازع، وسعادة الدكتور عبدالعزيز السبيل- للمشاركة برقصات سعودية تألقت فيها الأكف وهي تتأرجح بسيوف بيضاء لامعة.
ولفتت انتباهي سيارة صغيرة قديمة جدًّا من نوع «فولكسواجن» نطلق عليها باللهجة الفلسطينية مسمى «قرقعة» لكونها تشبه السلحفاة. فمبارك لك يا سعودية يوم التأسيس، سائلًا الله سبحانه وتعالى أن يحفظ البلاد وقيادتها الحكيمة وشعبها النبيل، وكل عام وأنت في خير ورخاء، وبعمق انتمائي أهتف مهنئًا ببضعة أبيات أقول فيها:
هَا قَدْ تَلَأْلَأَتِ الْقُرُونُ مُجَدَّدَا
وَالْكُلُّ يَهْتِفُ صَادِقًا مُتَوَعِّدَا
سَلْمَانُ يَا مَلِكَ الْبِلَادِ مُبَارَكٌ
عُرْسُ الْهَنَا بِالسَّعْدِ هَلَّ مُمَجَّدَا
وَوَلِيُّ عَهْدٍ حَازِمٌ نَحْوَ الْعُلَا
خَطَّ الْخُطُوطَ وَرَاحَ يَبْنِي سؤْدَدَا
عَلَمُ الْأَمَاجِدِ قَدْ سَمَا صَوْبَ الْمُنَى
وَالْخَيْرُ هَلَّ، بِرُؤْيَةِ الْمَجْدِ ابْتَدَا
يَا رَبِّ حَمْدًا دَائِمًا فِيهِ الرَّجَا
مَا رَفَّ طَيْرٌ فِي الْفَضَاءِ وَغَرَّدَا
وأما التوثيق الثاني؛ فتمثل في إشهار الشعار المطور لمؤسسة الملك فيصل الخيرية الذي تميز بدمج الصورة الرمزية للملك فيصل -يرحمه الله-، مع خط عربي جديد استُحدث لهذا الغرض، وقد اتسمت الصورة ومفردتي «الملك فيصل» باللون الملكي؛ «اللون الذهبي»؛ لون الإشراق والضياء، بينما اتسمت الكلمات الأخرى بإحدى درجات اللون الأخضر؛ اللون الفيروزي أو التركوازي الذي يمثل الأمل والنماء. ويطيب لي هنا أن أزف التهنئة لمؤسستنا العريقة بما تقدمه للبشرية من الرعاية والأمان في إطار رسالتها الوافية «خدمة الإسلام وإنسان السلام».
وأما التوثيق الثالث؛ فيتصل بفرحة غامرة ملأت الجوارح بتلك المشاهدة الجماعية لمباراة كرة قدم مهمة جدًّا جمعت بين «فريق الهلال السعودي» مع «فريق الدحيل» القطري، في مرحلة نصف النهائي لدوري أبطال آسيا، المقامة في أستاذ الثمامة بدولة قطر، وهي المرة الأولى التي أشاهد فيها مباراة بهذا العمق من الهناء، ذلك أنني من عشاق «الهلال»، وأعلم يقينًا أن «فريق الدحيل» من أقوى الأندية القطرية وهو المتصدر للدوري القطري، فكنت أتحسس داخلي حالة ملحوظة من التوتر خشية أن يوثّق «ملتقى الفيصل» هزيمةً للهلال، فيعود كل منا حزينًا إلى بيته بعد ساعات طويلة من السعادة والبهجة بلقيا الزملاء الأعزاء وصحبتهم، إلا أن مجريات المباراة قالت كلمتها مجللة بالثقة؛ إنه الهلال بتاريخه، بإنجازاته، بلاعبيه الرائعين؛ كل باسمه، ورسمه، وطيفه، وموقعه، وبالعنصر المذهل على الدوام المتمثل في الموج الأزرق «جمهور الهلال» الذي تجده بكامل رونقه حول الهلال حيثما كان؛ داخل المملكة أو خارجها، فما أن بدأت المباراة حتى جاء الهدف الأول للهلال في الدقيقة الأولى، والهدف الثاني في الدقيقة الثانية، ويا لها من فرحة عارمة تجددت تصاعديًّا مع كل هدف من الأهداف الخمسة التي شهدها الشوط الأول، ثم تجددت الفرحة تصاعديًا أيضًا مع الهدف السادس الذي جاء مبكرًا جدًّا في الشوط الثاني، وكذلك مع الهدف السابع، وأيضًا كانت الفرحة في أوج مراتبها مع الحارس الهلالي الأمين الكابتن عبدالله المعيوف الذي استطاع بفضل الله أولًا ثم بقدراته اللافتة أن يحافظ على مرماه نظيفًا لتنتهي المباراة بنتيجة (سبعة للهلال مقابل صفر للدحيل)؛ وهأنذا بعمق فرحتي أبرق بالتهنئة والتبريك للهلال ولجمهوره الأكثر من رائع؛ وإنه لعمري لفوز مستحق وبجدارة، وفي الوقت نفسه أبرق بهمسة لفريق الدحيل: «معلش سامحونا» متبوعة ببضعة أبيات أقول فيها:
هَذَا الْهِلَالُ إِذَا لَعِبْ
نَارٌ تَعَالَتْ بِاللَّهَبْ
فَلْتِسْأَلُوا عَنْ نَهْجِهِ
هَلْ يَرْتَضِي غَيْرَ الذَّهَبْ
وَلْتَنْظُرُوا فِي خَصْمِهِ
كَيْفَ انْزَوَى كَيْفَ انْغَلَبْ
كَيْفَ الْتَوَتْ أَهْدَابُهُ
كَيْفَ ارْتَجَى لَوْ يَنْسَحِبْ
هَذَا الزَّعِيمُ الْمُبْتَغَى
وَالْكَأْسُ حَقٌّ مُكْتَسَبْ
أختم بهذا القدر من تفاصيل المحطة الثالثة لـ«ملتقى الفيصل» في إطار ما تسمح به مساحة النشر، ولا يسعني هنا إلا أن أعبر عما يختلج وجداني من فخر الانتماء لهذا الملتقى المبارك الذي أخذ على عاتقه احتضان منسوبي كل من «مؤسسة الملك فيصل الخيرية»، و«جائزة الملك فيصل»، و«مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية»، و«مدارس الملك فيصل»، و«جامعة الفيصل»، و«جامعة عفت».
كل عام والملتقى ورواده في خير وصحة وأمان، ودائمًا وأبدًا الحمد لله رب العالمين.