محمد سليمان العنقري
الجزم باتجاه سعر أي أصل أو سلعة خطأ كبير يقع فيه الكثير، فكل ما يملك التاجر أو المستثمر أو المحلل المختص بأي مجال مجموعة من المؤشرات والإشارات يلتقطها ويحاول أن يبني على أساسها احتمالية توجه الأسعار فلا بد من وجود معلومات كافية ودقيقة عن الجوانب التي يبنى عليها التحليل والتوقعات كأساسيات السوق والأنظمة والتشريعات والسياسات المالية والنقدية ثم التحليل القطاعي بتفاصيله والعرض والطلب حتى تتشكّل صورة مقاربة لما قد تتجه له الأسعار وكذلك حجم النشاط مع الأخذ بعين الاعتبار أن هناك عوامل طارئة قد تغير من التوقعات سواء لمدى قصير أو متوسط أو بعيد وفي العقار السكني لا تختلف احتياجات من يضعون التوقعات عن غيرها من مجالات الاستثمار الأخرى فكل شيء في عالم المال والأعمال يخضع للمقومات الأساسية والدورات الاقتصادية سواء للاقتصاد الكلي أو القطاعي.
فأكثر سؤال يطرح: أين تتحه الأسعار؟ وتختلف الإجابة في عموم ما يُنتشر بين الناس غالباً بحسب الأمنيات، فالمشتري الفرد يتمنى الهبوط لذلك يتأمل بوجهة النظر التي توافق أمنيته أن تتحقق بينما بعض من يمتهن تجارة الوساطة العقارية أو التجار والمطورين الصغار يروّجون لاحتمال ارتفاع الأسعار ويتبع نصيحتهم من يعتقد أن لا أمل بنزول السعر ولذلك يتجه للشراء على هذا الأساس بينما هناك القليل من التوقعات تكون واقعية وغالباً تأتي من المطورين الكبار وكذلك ممن يعملون بكيانات مالية واستشارية ضخمة لديها بيانات وقدرة على تحليلها تسمح لهم ببناء توقعات واقعية وغالباً هؤلاء ممن لديهم الإمكانيات والخبرات الكبيرة يسبقوا الجميع بالاستعداد لأي دورة بالقطاع الذي يضخون استثماراتهم فيه فهذه طبيعة الأسواق عموماً سواء المالية أو السلع والعقار من بينها، وعند النظر لواقع العقار السكني حالياً، فالعوامل التي دعمت ارتفاع الأسعار وزخم النشاط بالسنوات القليلة الماضية بدأت بالتغير ولذلك فإن مهمة من يعملون بالسوق العقاري أو المشترين أن يجمعوا كل هذه المتغيرات ويحللوها ليحددوا التوجه المستقبلي وعلى أي مدى زمني سيكون أثرها فالتوقعات ليست بالمهمة السهلة فلا أحد أكبر من السوق مهما كانت خبرته واسعة فيه فأفضل ما يمكن أن يعمله في حال واجهته أي ظروف طارئة بالسوق هو قدرته على التحوط والصبر فلا يوجد اتجاه دائم، فكما أن هناك ارتفاعاً سيقابله انخفاض والعكس صحيح، فالسنوات الخمس الماضية زاد نشاط السوق مع برنامج الدعم السكني الذي ضاعف حجم القروض العقارية للأفراد بأكثر من أربعة أضعاف منذ العام 2017 ، حيث كانت عند 121 مليار ريال لتصل إلى 550 مليار ريال بنهاية 2022م، حيث ساهمت هذه القروض برفع نسب التملك من 47 بالمائة إلى 60 بالمائة حالياً بالإضافة للتأثير الإيجابي لمعدل الفائدة المنخفض بتكلفة التمويل واستفاد من البرنامج 1.4 مليون شخص استفادوا من الدعم المقدم من الوزارة التي تستهدف ضخ 365 ألف وحدة سكنية خلال الأعوام الثلاثة القادمة.
لكن في هذا العام بدأ السوق العقاري على واقع مختلف، فوزير الشؤون البلدية والقروية والإسكان ذكر قبل أسابيع «إن ارتفاع أسعار العقار في الوقت الراهن مبالغٌ فيه قليلاً، لذا نحتاج إلى ضخ أراض كبيرة في مدن الرياض وجدة والدمام»، وذلك في منتدى مستقبل العقار بالرياض وهي إشارة لا بد من أخذها بعين الاعتبار لأنها صادرة عن الجهة المشرفة على قطاع العقار أي أن قرارات ستسهم بمعالجة هذه الارتفاعات وهو ما اتضح لاحقاً من خلال ما أعلنه الوزير ماجد الحقيل بأن ولي العهد -حفظه الله - وجه بتزويد الوزارة بمائة مليون متر مربع في الرياض ومدن أخرى تشهد ارتفاعاً بالأسعار، وهو ما يعني أنه توجه لزيادة العرض من الأراضي لإعادة التوازن للسوق بالإضافة للإعلان عن مشاريع تطوير سكني من الشركة الوطنية للإسكان وكذلك شركة روشن المملوكة لصندوق الاستثمارات العامة بأعداد كبيرة حداً وبأسعار منخفضة عن السوق كثيراً، حيث يتوقع أيضاً أن يعلن عن وحدات تبدأ من 350 ألف ريال في مشروع ضاحيتي خزام والفرسان بالرياض قريباً يضاف لذلك الإعلان عن أخذ المرئيات حول تحديث لائحة رسوم الأراضي برفع نسب الرسوم لما يصل لحوالي 10 بالمائة أينما يكون الاحتياج ارتفاعاً من 2.5 بالمائة للحث على زيادة المعروض من الأراضي المطورة، كما ارتفعت معدلات الفائدة الأساس لتتجاوز 5 بالمائة بعد أن كانت دون 1 بالمائة وهو عامل مهم في تكلفة الإقراض فقد انخفضت القروض العقارية لشهر يناير الماضي بنسبة 31 بالمائة عن الشهر المماثل من العام الماضي وبالتأكيد لارتفاع أسعار الفائدة دور بذلك وكذلك تم تحديث مصفوفة الدعم السكني لتنتقل لمرحلة جديدة لا تركز على الإقراض لشراء المسكن فقط، بل شملت خيارات عديدة كما أنها تركز على الأشد حاجةً كما ورد في تفصيلاتها وهو ما تعكسه أيضاً طرح وحدات بأسعار منخفضة لتتماشى مع ذوي الدخول المنخفضة دون عشرة آلاف ريال مما سيوسع من اتجاه المطورين لوحدات مشابهة أو مقاربة بالتكلفة لما تطرحه الوزارة من مشاريع كخزام وضاحية الفرسان وغيرها وكذلك في مدن أخرى، فعوامل السوق تغيّرت ليس فقط من حيث طرق التمويل وتكلفتها، بل توجهات التطوير لنوعية من الوحدات مختلفة بالحجم والتكلفة وهو العامل الأهم في التأثير على مستوى الأسعار لأن التطوير الحديث والوحدات الجديدة تختلف بتكلفتها عن ما تم تطويره من سنوات ومن مطورين صغار، فالتكلفة مرتفعة عليهم بعكس ما تتوجهله السوق حالياً.
توجهات الأسعار تحكمها هذه العوامل الأساسية وليست الآراء والأهواء الفردية فلا يمكن عدم الانتباه أيضاً لما ذكره وزير الشؤون البلدية والقروية والإسكان خلال مؤتمر صحفي بأنهم يعملون على أن لا تزيد نسبة الاستقطاع للقرض السكني عن 40 بالمائة من الدخل، فقد وصلت لمستوى 65 بالمائة بفترة سابقة مما يعني تغيراً كبيراً في نوعية الوحدات المطروحة بالسوق وأسعارها لتلائم هذا التغير بنسب الاستقطاع من الآن ولسنوات قادمة، فقطاع العقار السكني له دور اقتصادي واجتماعي واسع التأثير فالأساس والاتجاه الصحي هو أن يكون قطاع العقار السكني صناعة مستدامة تدعم النمو الاقتصادي وتوفر احتياجات طالبي السكن وفق قدراتهم واحتياجاتهم وكذلك تمنع توغل التضخم بالعقار واستفحاله لأن من شأن ذلك أن ينعكس سلباً على النمو الاقتصادي غير النفطي، حيث يرتبط بالقطاع حوالي مائة نشاط ويعد هو من أكبر المولدين لفرص العمل بشكل مباشر وغير مباشر ومن بين القطاعات الكبيرة بنسبة تأثيرها بالناتج المحلي.