عبدالوهاب الفايز
أولاً، نبارك للأخ العزيز والزميل معالي الأستاذ سلمان الدوسري ثقة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد، يحفظهما الله، ولن نثني عليه بما يستحق.. فشهادتنا فيه مجروحة بحكم الزمالة والعشرة، وهو في موقع تشريف وتكليف، وحقيبة الإعلام مهمة صعبة يستحق من يُكلف بها الدعاء، فوزير الإعلام في المملكة العربية السعودية عليه واجب القيام بما يفرضه واقع المملكة وثقلها العربي والإسلامي والعالمي، فمطلوب من الإعلام في حقبة الانفتاح الثقافي والاتصالي الكوني، الارتقاء بالمواقف وبالمنتجات وبالمبادرات الإعلامية عبر بناء القدرات البشرية، وبناء المؤسسات الإعلامية المتخصصة التي تليق بالمكانة التي تستحقها بلادنا في العالم.
فالمملكة، ومنذ تأسيس الدولة، قدرها أن تكون في الاستهداف وفي المواجهة.. تتلقى مكائد الأعداء وتتحمل وتصبر على نكد الأشقاء والأصدقاء، وعليها أيضاً تحمل تبعات ومسؤوليات موقعها الجغرافي ومكانتها الروحية.. فمجالها الحيوي ينبع من قلب العروبة، ومن أين يكون الإسلام ويوجد المسلمون.
ومهمة وزير الإعلام الحيوية في مكوِّن الدولة نلمس جانبًا من ملامحه، التي تعود إلى أيام الملك عبدالعزيز يرحمه الله، من مذكرات وأحاديث رجالات الدولة الذين كُلفوا بحقيبة الوزارة، وأبرز هؤلاء معالي الشيخ جميل الحجيلان أول وزير إعلام، والذي سوف يروي لنا في مذكراته القادمة طبيعة العلاقة العضوية بين السياسة والإعلام.
وفي عصرنا الحاضر الذي يشهد قفزة نوعية لبلادنا في مختلف المجالات.. عصر الرؤية الطموحة التي أطلقت إمكانات بلادنا الاقتصادية والسياسية والصناعية والثقافية والسياحية، هذا الحضور القوي الحيوي يفرض الأهمية القصوى للإعلام والتواصل لأجل إنجاح مستهدفات التنمية المستدامة. البلاد التي تواجه تحديات التنمية الاقتصادية والاجتماعية يُطالب إعلامها ومؤسساتها الثقافية بضرورة ترتيب أولويات الحراك والتغطيات، ويستدعي الرقي بالمحتوى وبالمعالجات الإعلامية الموضوعية التي تجعل الإعلام جزءاً من الحل، وتجعله منصة وطنية لتداول الرأي الموضوعي المحترف المستنير، ومنتدى لعصف الأفكار.
والبعد التنموي للإعلام يُوضع في أولويات الرسالة الإعلامية المحلية، فالرؤية ومبادراتها أفضت إلى تحديات حقيقية في إدارة التغيير، فالإعلام مطالب بتنمية التوجهات والسلوكيات الإيجابية الدافعة إلى التغيير، والداعمة لتحقيق المكتسبات للإدارة الحكومية. الأجهزة الحكومية تحقق إنجازات نوعية.. ومن حقها أن يكون (الإعلام الممول.. أو المدعوم من المال العام ) مبادراً وسباقاً إلى المساهمة الإيجابية لإنجاح مستهدفات برامج الرؤية، أي لا ينتظر الدعوة، بل يسعى إلى صناعة الحدث الإعلامي والتواصلي الذي يقدم منجزات بلادنا.
وروح المبادرة هذه نتمنى تجددها وتوسعها في إعلامنا الوطني.. ونسوق هذه الرغبة تماشياً مع التقليد الذي دأبنا عليه في السنوات الماضية وهو المبادرة لأن نضع بين يدي الوزير الجديد ما نراه يستحق العناية من أمور إعلامية تهم الشأن الوطني الأكبر. والمقترح يستهدف المصلحة العامة العليا لبلادنا، لا نتحدث أو نقترح أموراً مهنية شخصية، فالإعلاميون العصاميون يترقون في المهنة عبر دروب المعاناة، وهؤلاء وبعد تحقيق الذات يصبح همهم الأساسي: تحول الإعلام إلى راعٍ أمين للمصلحة الوطنية.
ولاعتبارات وطنية، نرى أن أول ملف يستحق اهتمام وزارة الإعلام هو: (ملف المؤسسات الصحفية)، ونضع هذا الملف أمام الوزير لعله يكون في أولوياته، وربما نحن أمام الفرصة الأخيرة لإخراج هذا الملف من أدراج الحكومة. نقول الفرصة الأخيرة لأن الوزير ابن المهنة، وعايش حقبتها المعاصرة المزدهرة مالياً، ويشهد إخفاقاتها ومصاعبها الحالية.
في مقالات سابقة قلنا إن الظروف الراهنة تعد مرحلة ذهبية لازدهار الإعلام الوطني، فالرؤية وبرامجها وضعت التواصل وإدارة التغيير في أولويات مبادراتها، وخصصت لها الموارد المالية العالية. هذا الوضع يقدم فرصة ذهبية للمؤسسات الصحفية والإعلامية المحلية. لكن مع الأسف لم تستفد منها بسبب: تأخرها في التحول إلى الحقبة الرقمية، ونتيجة تراكم الديون والمطلوبات، والأهم: تأخر الجمعيات العمومية ومجالس الإدارات في اتخاذ القرارات الضرورية اللازمة لمعالجة أوضاع المؤسسات الصحفية، وهذا بسبب قلة حماس وسلبية الملاك، وأيضاً بسبب عدم صلاحية نظام المؤسسات للظروف المعاصرة، ومع هذه: عدم إدراك الحكومة خطورة سلبية تراجع الصحافة على سمعة الدولة السياسية والثقافية والفكرية، ووضع بلادنا في المؤشرات الدولية التي تقيس مستوى تداول الرأي، ومدى التقدم الاجتماعي والحضاري.
وما نؤكد عليه دوماً ونتمنى استيعابه هو أن تأخر ملاك الصحف في معالجة وضعها، لا يعني تخلي الحكومة عنها. المؤسسات الصحفية قادت جهود الإعلام والفكر والثقافة في العقود الماضية، وكان دورها الوطني حاضراً بقوة في تاريخ بلادنا. وما يُنفق على المؤسسات الصحفية سوف يبقى أثره في إعلامنا واقتصادنا، بعكس الاستثمارات التي تنفق على الكيانات الإعلامية التي تذهب عوائدها وخيراتها إلى خارج البلاد. فالعنصر البشري الوطني هو الغالب في الصحف والمنشآت الإعلامية المحلية، والاستثمار بهؤلاء الشباب سيكون خيره لهم.. ولاقتصاد بلادنا.
نسوق الأماني والتطلعات رغم الحقائق المعاصرة التي تحملها ثورة التواصل الرقمي، فمنافسة التواصل الاجتماعي للإعلام التقليدي الأساسي تقدم تحدياً وجودياً للكيانات الإعلامية التقليدية، وهناك من يتلبسه الاعتقاد أن الإعلام انتهى. الطرق التقليدية لتبادل واستهلاك المعلومة هي التي تغيرت، ولكن المهنة باقية، وأيضاً لدينا القناعة الصادقة بأن ولي الأمر لن يتأخر في دعم كل أمر يخدم المصلحة العليا للدولة.
إذاً وزارة الإعلام لديها القناعة والإرادة.. فسوف تجد الوسيلة.