في مدخل الحديث، أستأذن القارئ أن أستعير هذه الحكاية المشهورة التي يرددها قدامى القصاص والمذكرين، ومفادها: أن فتى يبدو عليه الصلاح أحس بالموت فاستدعى مغسل الموتى، فجاء وطرق الباب فخرجت عليه جاريه تشبه الفتى، فقالت أنت الغاسل؟ قال نعم، قالت فادخل على بركة الله، فلما دخل وجد الفتى ينازعه الموت فانتظر قليلاً ففاضت روحه، فغسله، فلما أدرجه في كفنه قالت الجارية له: أما إني سألحق به، فلعلك تبعث بأهلك لتأتي تغسلني، قال: فتعجبت، وقلت هذه كرامة لهما، فجاء أهلي ودخلوا المنزل، فرأت الجارية ينازعها الموت، ثم ماتت فأخذت في غسلها وتكفينها.
وعلاقة هذه القصة بموضوعنا، ما حدث في وفاة عميد أسرة الطريقي (عبدالعزيز بن عبدالله الطريقي -أبي نزار- 23/ 7/ 1444هـ رحمه الله)، فقد توفي هو وزوجته منيرة بنت محمد بن أحمد الطريقي في وقت واحد، حيث كان الفارق الزمني بينهما لا يزيد على خمس ساعات، كانت هي أولاً ثم هو، فلعل ذلك من فضل الله عليهما وكرمه، وفي ذلك آية وعبرة وعظة.
وذلك كان منهما بعد فقد الأبناء (نزار، لؤي) ثم فترات من الإغماء والسبات. فرحمهما الله وجمعهما في الفردوس الأعلى.
والحديث عن هذا العلم الشامخ سيكون وفق العناصر الآتية.
(1)
فقيدنا رجل مخضرم، أدرك التحولات الاجتماعية في هذه البلاد الكريمة -المملكة العربية السعودية- بكل أدوارها وهو من مواليد 1356 هـ، حيث أدرك نهايات حياة الفقر والإملاق في هذه الجزيرة، والذي يتزامن مع بدايات استخراج النفط، ثم فترة التحسن النسبي، وذلك مع بدايات التقنية، ثم فترة الطفرة، وما صاحبها من تحول ثقافي، واجتماعي، ثم الفترة المعاصرة، عصر التقنية الحديثة، وقد استطاع أن يتعامل معها بكل ثبات ومرونة ووسطية.
(2)
ولد بمحافظة الزلفي، من أبوين شهمين، أخذ عنهما الجد والنشاط والكدح.
أما والده فهو عبدالله بن عبدالمحسن بن عبدالله بن حمود بن محمد (الملقب بالطريقي) والمتوفى 1373هـ، وكان عصامياً، رحالة، امتهن التجارة والزراعة والصيد.
وأما والدته فهي لولوة بنت عبدالعزيز بن حمد العصيمي، المتوفاة سنة 1383 هـ، فكانت امرأة عصامية رجلة، ذات حدة في الرأي، وقد انفصل والده عن والدته وهو لا يزال صغيراً.
وقد كتب عنها وعن صفاتها ابنها المرحوم أبو نزار في مجلة الشرق في 27 شوال 1399هـ.
أما إخوته، فله أخ شقيق واحد وهو عبدالمحسن (أبو طارق)، وثلاثة من الأب، وهم عبدالكريم ومحمد وهما شقيقان وحمود، وكل الثلاثة متوفون رحمهم الله.
أما الأخوات فهن نورة العصيمي وسارة الحصين رحمهما الله، ونورة الطريقي حفظها الله تعالى.
(3)
وقد عاش حياة الطفولة في الزلفي، حيث التحق بكتاب الشيخ محمد العمر (ت 1388هـ) وأخذ عنه أبجديات العلم، كالقرآن والقراءة والكتابة، وكان أبو نزار يثني عليه كثيراً، من حيث سلوكه ومنهجه التعليمي.
ولما قرأ كتاب (الشيخ حمدان الباتل) وهو من تأليف العبدالفقير، اتصل بي مثنيًا، ثم راجيًا مني أن أكتب على منواله عن الشيخ محمد العمر.
ولكني اعتذرت له، بأن أحفاده أولى مني بالكتابة عنه رحمه الله تعالى.
(4)
ونظرا لطموحه المبكر فقد استأذن من والدته أن يسافر إلى الكويت لطلب العلم، فأذنت له، فسافر مستصحبًا أخاه عبدالمحسن (أبا طارق) حفظه الله، ونزلا عند أخويهما من الاب، عبدالكريم ومحمد، القاطنين هناك، وكانا يعملان عند أمراء (آل الصباح)، مما ساعد على التحاقه بالمعهد الديني، الذي أنشئ عام 1362هـ، وكان يعنى بالمواد الشرعية واللغة العربية، وكان من أساتذته: الشيخ عبدالله النوري، وعبدالعزيز حمادة.
وبعد حصوله على شهادة المعهد الديني عام 1375 هـ، عاد هو وأخوه الأصغر عبدالمحسن إلى الزلفي.
إحدى جلسات القراءة والتأمل في الكويت عام 1374هـ (عبدالعزيز وشقيقه عبدالمحسن)، وحيث لم يجد في الزلفي مجالاً مناسبًا لمواصلة التعليم، سافر من فوره إلى الرياض، وهناك التحق بثانوية اليمامة التي تأسست سنة 1378هـ، وكان من زملائه معالي الدكتور صالح العذل رئيس مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية سابقاًً.
وبعد إنهاء الثانوية تقدم بطلب ابتعاث لدراسة البكالوريوس في أمريكا.
فجاءته الموافقة على دراسة البترول، ربما بإشارة من ابن عمه أبي صخر -رحمه الله-، فسافر، ولكن جاء توجيه بتحويل تخصصه إلى (الإدارة) لمصلحة البلاد، وأنهى دراسته عام 1385هـ
وكان لشقيقه أبي طارق دور كبير في دعمه وتشجيعه كونه معلمًا في مدرسة القدس الابتدائية في الزلفي.
وأثناء دراسته في أمريكا تزوج بابنة عمه منيرة بنت محمد بن أحمد الطريقي حيث رافقته في غربته هناك.
(5)
وبعد عودته من أمريكا عين مديرًا للميزانية والتخطيط في وزارة الداخلية لشؤون البلديات، وقد ظهرت مواهبه في هذا المجال، حتى أصبح مشرفاً على الشركات العاملة في الوزارة، ومنها شركة ماكنزي.
ولأن عمله في الرياض العاصمة، وأخاه عبدالمحسن في الزلفي، فقد اقترح عليه أن ينتقل من حقل التعليم في الزلفي إلى شؤون البلديات في الرياض، لتلتئم الأسرة تحت مظلة والدتهم الكريمة.
فوافق أبوطارق وانتقل إلى الرياض، وسكنوا في بيت واحد بحي الشميسي بالإيجار.
وفي نهاية الثمانينيات الهجرية استقل كل منهما ببيت خاص، فكان أبو نزار في حي الملز (وكان من أوائل عماره)، وأبو طارق سكن في حي العود.
وأذكر أنني كنت كثير الزيارة لأبي نزار في أوائل التسعينات الهجرية، وكنت أتعجب من المنزل الذي بني على النظام الأمريكي (فيلا)، وكثيراً ما تكون الجلسة في الحديقة، وكان المذياع والصحيفة لا تفارقانه.
وفي تلك الأثناء أسندت إليه إدارة معهد المساعدين الفنيين الذي يهتم بتخريج المساحين والمخططين والفنيين والمراقبين للبلديات.
وفي عام 1399هـ كلف بإدارة بلدية الدمام، حيث أمضى فيها نحو ثلاث سنوات. ثم رأى أن هذه الأعمال تستهلك منه الجهد والطاقة والعمر، فآثر الإحالة على المعاش، وتفرغ لأعماله الخاصة، واستثمار الوقت في القراءة والعبادة.
اجتماع مع سمو أمير المنطقة الشرقية عبدالمحسن بن جلوي -رحمهما الله-.
(6)
فإذا ما انتقلنا إلى معالم شخصيته وإنسانيته، فإنك بمجرد الملاحظة العابرة تستطيع أن تحدد الكثير منها، كونه ذا شخصية قوية (كاريزمية) وأبرز المعالم في تقديري:
أ- السمت الحسن، وهو حسن المنظر والمخبر، وجاء في الحديث عن عبدالله بن سرجس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- (السَّمْتُ الحَسَنُ والتُّؤَدَةُ والاقتصادُ جزءٌ من أربعةٍ وعشرينَ جُزءًا من النبوةِ) أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب.
ب- كثرة الصمت، وإحكام الكلام
وهذه ظاهرة لديه، في عموم مجالسه، بل حتى في حياته الأسرية.
تقول حفيدته منيرة بنت نزار: «كنت أسأله لماذا لا تتحدث كثيرًا، يجيب: والدي كان يقول عشر كلمات في اليوم. وأظنه يتخذ من والده قدوة له».
هكذا كان رحمه الله، «قليل الكلام كثير الفعال»
حسب عبارة الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد الطريقي.
جـ- الجد والحزم.
لقد عرفته جادًا في حياته كلها، حازمًا في قراراته.
ليس للهزل والكسل، والجبن والبطالة مساحة في قاموسه.
وكأنما كان يتمثل بقول أبي تمام:
بَصُرْتَ بالراحةِ الكبرى فلم تَرَها
تُنَالَ إلا على جسرٍ من التعبِ
د- الأصالة والأرومة العربية، وهي سمةً ظاهرة فيه، في كل ملامح شخصيته، وفي تصرفاته، وفي كلامه وخطابه، وفي اهتماماته، بل حتى أسماء أولاده، وهم: نزار، ولؤي، وأسماء.
ونزار هو الجد السادس عشر للنبي -صلى الله عليه وسلم-، ولؤي هو جده الثامن، وأسماء، اسم لعدد من الصحابيات، من أشهرهن: أسماء بنت أبي بكر، وأسماء بنت عميس.
هـ - نظرته للحياة الدنيا:
من تأمل في شخصية أبي نزار، أدرك للوهلة الأولى، كيف هي الدنيا في نظره، وفي مقاييسه.
فالجشع أو الطمع -مثلاً- ليس من شيمه، والمناصب لا تهمه، وهو أبعد الناس عن التكلف، والتزلف، والتملق.
الأمر الذي يجعل الدنيا رخيصة زهيدة في معاييره.
وكمثال على ذلك، حينما تخرج في أمريكا، وحصوله على البكالوريوس، أرسل إلى شقيقه أبي طارق صورة التخرج وكتب تحتها بخط يده ما يأتي: «أخي عبدالمحسن، هذا اللباس لا يمنح صاحبه منصبًا، ولا من المال مبلغًا، ولا من الجنة أو النار مركزًا، وإنما هو دلالة متواضعة على أن لابسه قد بذل جهده في البحث عن الحقيقة والمعرفة.
إنني وأنا مدين لك بتحقيق هذا الهدف ؛ لآمل أن أرى أبناءك يرتدونه، وما ذلك على الله بعزيز»
(أخوك عبدالعزيز. أمريكا 14 يناير 1967م)
أضف إلى ذلك أنه آثر التقاعد المبكر، ولم يتطلع إلى مناصب أعلى، مع أنه كان مؤهلاً لذلك، وكان ناجحًا في ما أسند إليه من أعمال.
هذا إلى أن مُجالسه لن يسمع أي حديث عن الدنيا وزخرفها ومناصبها في أي من مَجالسه.
وذلك دليل ظاهر على زهده في الدنيا، كونها مجرد متاع، وليست دار قرار.
و- الطموح إلى المعالي
وهي سمة فيه منذ نعومة أظفاره، فقد بدأ بطلب العلم وهو لا يزال طفلاً ثم سافر إلى الكويت ودرس في المعهد الديني هناك، ثم واصل تعليمه في الرياض، ثم طلب الابتعاث لأمريكا، وكان دون ذلك خرط القتاد، نظراً لصعوبة المعيشة وقلة ذات اليد وندرة وجود المواصلات.
ولكنها نفسه الوثابة الطموحة، كما يقول حافظ إبراهيم:
رادوا المجاهل في الدنيا ولو وجدوا
إلى المجرة ركباً صاعداً ركبوا
تلك أبرز معالم شخصيته رحمه الله.
وفي ضوء ذلك لو أردنا التعرف على شخصيته، وفق تصنيفات علماء النفس، فربما وجدنا نوعين من الشخصيات هما الأقرب إلى تلك المعالم أو الخصائص:
- الشخصية الجذابة: وهي شخصية اجتماعية، كارزمية، قوية.
- الشخصية الإيجابية: التي من سماتها الذكاء والحماس والعقلانية، والأدب مع الخلق والمتأمل في شخصية أبي نزار يلحظ فيه بروز هذين النوعين من الشخصية.
(7)
وفي ضوء تلك المعالم المجملة ندلف إلى أخلاقه وسماته بنوع من التفصيل:
أ- الديانة، فقد رضع عقيدته ودينه منذ الصغر، محافظاً على الواجبات، ومجانباً المنكرات والسيئات، ولم يعرف عنه اقتراف ما يشوه دينه وسمعته.
وفي مقدمة ذلك: إقامة الصلاة المفروضة، وحرصه على أدائها في المساجد.
كما يشهد بذلك كل من عرفه، ولاسيما أهله وذووه.
يقول الشيخ الدكتور عبدالله بن محمد الطريقي «كان محافظاً على صلاته في الجماعة لا يكاد يفوته منها ركعة في جميع الأوقات».
ب- حسن الخلق، فمن جلس إليه أحبه وأنس به.
وذلك كونه خفيف الروح، حيياً، مدارياً.
وحسن الخلق يشمل مكارم الأخلاق كلها.
وقيل في تعريفه: طلاقة الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى عن الناس، وكل هذه المعاني وما يجرى مجراها متوفرة فيه رحمه الله.
جـ- الإخلاص والنصح، فمن سبر تصرفاته ومواقفه لمس فيه النصيحة والإخلاص، كما يلمس مقته للغش والنفاق والتملق والتكلف.
د- الشفافية والوضوح، وذلك نتيجة نصحه وإدراكه التام للمسؤولية الشرعية والاجتماعية.
هـ- التواضع الجم، الذي هو جزء من شخصيته، التي تحب البساطة وعدم التكلف، سواء في المظهر، أو الخطاب، أو التصرفات الأخرى.
والحق أقول: إن تواضعه قد زاده الله به رفعة في المقام، وهيبة في اللقاءات والمجالس.
و- العطاء والسخاء:
برغم أنه يمقت الإسراف والتبذير ، والفخر والخيلاء، والتعاظم والغرور والتيه، فإنه سخي النفس، جواد، أريحي.
وذلك ما تشهد به أفعاله الظاهرة، أو التي يعرفها عنه خاصته.
ومن صور ذلك ما تشهد به صحائف أسرة الطريقي، فقد بذل جهده ووقته وماله في سبيل (مشروع الاجتماع العائلي)، سواء فيما يتعلق بمبنى (قاعات اليمامة) في الزلفي، أو رصد الجوائز المادية المحفزة للفائقين علمياً، أو مساعدة المحتاجين من الأسرة.
والغريب أنه كان ينفق بلا حدود، وبلا منّ ولا إعلام، ولا إعلان.
وأظن أن مثله ينطبق عليه حديث عبدالله بن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها) متفق عليه.
وبعد.. فتلك صور ونماذج من أخلاقه الإيجابية الكريمة. والمقام هنا لا يحتمل الاسترسال.
ولقد استعْرَضْت فهرست أبواب كتاب (روضة العقلاء ونزهة الفضلاء) للإمام أبي حاتم البستي، فرأيت أن معظم الخصال والخلال التي ذكرها لا تكاد تفتقدها في أبي نزار.
(8)
أما علاقته بالإدارة، فقد أصبحت جزءاً من شخصيته.
فهي أولاً، تخصصه العلمي في البكالوريوس كما تقدم. ثم زاولها في ميادين العمل، بدءاً من إدارته للميزانية والتخطيط في وزارة البلديات، ثم إدارة معهد المساعدين الفنيين في الوزارة، ثم إدارة بلدية الدمام. ثم الإسهام مع الشيخ عبدالله الطريقي (أبي صخر) في مجال الاستشارات النفطية، وأخيرا إدارة مجلس عائلة الطريقي لمدة 20 عاما.
وكان من خلال هذه الأعمال هو من يتصدر القيادة الإدارية. وقد عرف عنه الحزم والعزم، والتطلع إلى المثالية، وذلك ما يضاعف عليه الإجهاد العقلي والنفسي والجسمي.
وأضرب هنا مثالين لعمله القيادي:
أحدهما، قيادة الأسرة الصغيرة في أهله ومن تحت يده حيث كان طابعها الجد والحزم مع اللين.
الثاني: قيادته لمجلس العائلة (الطريقي) وذلك لمدة 20 عاماً، فقد أداره بجدارة، دون حصول خلاف حاد أو نفور من المجلس، بل كان وجوده سبباً في التوافق والانسجام.
صور من الاجتماعات السنوية التي يحضرها ويشرف عليها ويسلم فيها الجوائز السنوية للمتفوقين والمتفوقات.
(9)
ولا ينبغي أن نغفل ثقافة أبي نزار العامة، التي تفرض على المتحدث عنه أن يكشفها ولو بالإشارات.
ذلك أنه منذ نشأته الأولى كانت تبدو عليه النجابة، والحرص على تقويم اللسان، وتنمية الثقافة، وتطوير العقل. ولابد أن دراسته في المعهد الديني في الكويت وهو أحد فروع الأزهر. سقت موهبته العقلية، فنمت لديه الثقافة الدينية، والأدبية واللغوية.
ومنذ عرفته -رحمه الله- وهو يهتم بالفصحى ويعنى بالأدب، مما يدل على أن قراءاته كانت مركزة في الكتب الأدبية الأصيلة، إضافة إلى الكتب التاريخية والشرعية.
ودونك هذه الأمثلة والشواهد على ذلك:
أ- الكتابات الصحفية التي أسهم فيها في عدد من الصحف والمجلات وأبرزها: صحيفة الجزيرة، ومجلة الشرق.
وهي عبارة عن مقالات قصيرة مركزة هادفة، كل مقال يعنى بموضوع معين، ابتدأ بها منذ عام 1398 هـ، وتبلغ أكثر من (50) مقالاً في مجلة الشرق، ثم استأنف الكتابة في صحيفة الجزيرة وقد تطوع ابن أخيه المهندس سامي بن عبدالمحسن الطريقي بجمعها وتنسيقها وإدراجها كمدونة في الشبكة العنكبوتية، وقال في مقدمته لها «تشرفت وتشوقت وتعجبت كثيراً وأنا أقلب أوراق هذه المقالات الصحفية النادرة والمتميزة للعم القدير أبي نزار ....
والتي تعتبر بحق جامعة متنوعة، وثمرة جهد وسعة اطلاع فهي تجمع شتى العلوم والفنون .... ويبلغ مجموع مقالاته أكثر من (200 مقال)»
المدونة1
http://sami-alturaiqi.blogspot.com/2014/11/blog-post_23.html?m=1
المدونة2
http://sami-alturaiqi.blogspot.com/2015/06/blog-post.html?m=1
وبعد أن استعرضتها عجبت أنا الآخر بهذه المقالات سواء في موضوعاتها، أو أسلوبها ولغتها، بل في تنوعها.
ب- كان منهوماً بالقراءة، لا يمل منها وأكثر قراءته في كتب الأدب، ومن عادته أن يقرأ الكتاب الذي بين يديه حتى ينهيه.
ج - كان يحب اقتناء الكتاب، ويبحث عنه حتى يجده فإن لم يوجد، طلب من أولاده أن يطبعوا له نسخة من الإنترنت.
وقد تكونت لديه مكتبة كبيرة نسبياً، وكان يقضي فيها جزءاً من وقته كل يوم.
وبحسب إفادة الدكتور أحمد بن باتل الطريقي، فإنه كان يقرأ الكتاب ويعلق عليه.
د - ولا شك انه كان لهذه القراءات والمتابعات الثقافية أثر على شخصيته، وعلى لسانه.
حيث الفصاحة في القراءة وفي الإلقاء والتزام قواعد العربية، فاللحن نادر في خطاباته كما هو نادر في كتاباته.
وقد سمعت له مقاطع صوتية يلقي فيها مقاطع شعرية فيما يشبه الدرس التعليمي العائلي.
وكان هو مقدم الحفل الكبير الذي أقامه أهالي الزلفي بمناسبة زيارة الملك خالد ابن عبدالعزيز رحمه الله في 20/2/1401هـ.
(10)
ثم إن مثل شخصيته الجادة سيكون للطرفة مكان فسيح في حياته، وما أحلى الطرفة حينما تصدر من شخص رزين ورصين مثله، ومن أمثلة ذلك:
أ - في مرحلة المراهقة والشباب، كان مغرماً بجمع العدد (الخردات) من المسامير، والمطرقة، والمفك والزرادية، وأبو جلمبو، وأسلاك الكهرباء ونحوها، وذلك ليفرغ فيها طاقته ومواهبه، وليقوم بإصلاح ما فسد في المنزل.
وقد كتب عن ذلك في مجلة الشرق في 17/ 3/ 1400هـ.
ب - وأثناء إقامته في الكويت في مرحلة الصبا وقت إقامته عند أخويه عبدالكريم ومحمد، كان يعمل صباباً للقهوة، فرآه أحد علماء الكويت، فقال: هذا ليس محلك، ثم أخذ بيده وألحقه بالمعهد الديني بعد إذن أخويه (رحمهم الله جميعاً)، أشار إلى ذلك الدكتور عبدالله بن محمد الطريقي.
وصدق الله تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ المجادلة- 11.
ج- ويذكر ابن أخيه الأستاذ خالد بن عبدالمحسن عن أبيه أن أبا نزار في إحدى رحلاته البرية في أمريكا وقت الابتعاث، رأى قطيعاً من الإبل متفرقة ونافرة عن راعيها، فدعا الراعي وقال له هل تريد أن أجمعها إليك؟ قال نعم ولن تستطيع، فاستعاد ذكرياته مع إبل والده، فأطلق ذلك الصوت نحو الإبل، فاجتمعت إليه خلال ظرف يسير، مما جعل الراعي ينبهر من الموقف.
د - وكان لمرافقة أهله له في أمريكا قصة طريفة، حيث سافر بهم بطريقة ذكية وخفية، فالمعروف أن السفر خارج البلاد -آنذاك- كان مستغرباً بل منكراً عند العامة، وبعض الخاصة، ولذلك فقد أخذ أهله في ليلة ظلماء وسافر بهم مسرعاً خشية أن يمنعه أحد من أهلها أو من الأقارب، كونه يعلم أنه لو استأذن من أجل ذلك لن يؤذن له.
(11)
فإن سألت -قارئنا الكريم- عن عاداته أو برنامجه اليومي.
أ- فإنه كان يستيقظ قبل الفجر، ويصلي ما تيسر له ثم يصلح قهوته بنفسه، ويحتسيها، ثم ينطلق للمسجد ويصلي ويبقى فيه، وبعد شروق الشمس يذهب إلى عمله، وينجز منها ما أمكن، مما يحتاج إلى متابعة من المتاجر، والعمائر، وفي الضحى يعود إلى منزله ويعيش بين أجواء الكتب. وبعد الظهر يتناول الغداء، ثم يأخذ قسطاً من النوم والراحة، وبعد المغرب يتناول عشاءه، ثم يأوي إلى فراشه بعد صلاة العشاء مباشرة.
ذلك ملخص برنامجه حسب إفادة الدكتور أحمد بن باتل الطريقي.
ب- كان يباشر أعماله بنفسه، وقلما يعتمد على الآخرين، حتى في بيته، بل كان يحب خدمة الآخرين، ويباشر عليهم.
ج- كان متفانياً في أداء عمله الرسمي قبل التقاعد، حيث كان يذهب مبكراً، ويخرج بعد خروج الموظفين، بل كان كما يقول الدكتور أحمد يقوم بإنجاز أعمال الموظفين لديه ولا يعاتبهم على التأخير.
د- ولم يكن له برنامج رياضي معين، ولعل مباشرته لأعماله الخاصة التي تتطلب عادة مجهوداً جسمياً وذهنياً تغنيه عن تخصيص وقت لممارسة الرياضة.
وختاماً:
أعتذر إلى القارئ الكريم، بأن ما سطرته عن أبي نزار ليس إلا لمحات من حياته، وإلا فسجلّه مشرف، ومليء بالمعلومات والفضائل، والأحداث، والنوادر.
لكنني لجأت إلى الاختصار والإجمال نظراً لضيق الوقت، حيث اقتضى الأمر الإسراع بالنشر.
فرحمة الله وبركاته على أبي نزار وعلى أم نزار، وأسكنهما الفردوس الأعلى من الجنة.
ثم أقدم شكري وتقديري لكل من أسهم في جمع المادة العلمية، أو أدلى بمعلومة جديدة ومفيدة.
وفي مقدمتهم:
- الأستاذ عبدالمحسن بن عبدالله الطريقي، شقيق الفقيد
- الأستاذ خالد بن عبدالمحسن الطريقي، الذي شاطر الكاتب جهده وجمع مادته.
- المهندس سامي بن عبدالمحسن الطريقي، جامع آثار عمه.
- الأستاذ الدكتور عبدالله بن محمد الطريقي، مدوّن الحنابلة ومحيي آثارهم.
- الدكتور أحمد بن باتل بن محمد الطريقي، زوج ابنة الفقيد.
فشكر الله لهم مساعيهم.
ولا يفوتني أن أقدم التحايا العاطرات، والثناء والدعاء والشكر الخاص والمضاعف لكل من: أسماء بنت أبي نزار (أم باتل) وزوجها الدكتور أحمد بن باتل على برّهما بالفقيدين، وخدمتهما لهما طيلة عجزهما الذي امتد سنوات، مما ينوء به كاهل العصبة أولي القوة فجزاهما الله تعالى خير الجزاء.
والحمد لله رب العالمين.