أحمد المغلوث
سعدت كما سعد غيري الأسبوع الماضي عندما شاركت مع الأخ الدكتور والشاعر عبدالله الخضير والفنانة التشكيلية تغريد البقشي والزميل الفنان أحمد العبد رب النبي كمحاور لأمسية: نخلة الأحساء. والتي نظمتها وزارة الثقافة من خلال هيئة الكتاب والنشر وبتنظيم من «المنور» وكانت السعادة كبيرة بهذه الأمسية التي حظيت بحضور لافت من أبناء الشرقية والأحساء. واستقبل موضوع «النخلة» باهتمام بالغ في الأوساط الاجتماعية والثقافية بالمنطقة, والراصد لمثل هذه الفعاليات لا يستطيع إلا أن يثمن بكل تقدير وعرفان لوزارة الثقافة وهيئة الكتاب والنشر على اهتمامهم بكل ما من شأنه أن يثري الوطن والمناطق بفعاليات تلامس اهتمامات المواطن الذي عادة ما ينحاز لكل ما له علاقة ببيئته ومجتمعه فكيف عندما تكون هذه الفعالية أو النشاط مرتبطاً بتاريخه ورمزية وطنه الحبيب. لاشك عندها سوف يتحدث المبدع عن هذه الرمزية بكل حب ومصداقية. فكيف لو تحدث الواحد منا عنها. وكيف كرمها الله وهي جزء لا يتجزأ من بقايا الطين الذي خلق منه الله عز وجل سبحانه وتعالى أبانا آدم عليه السلام.
والنخلة ومنذ بداية الحياة حظيت باهتمام مختلف الشعوب وإذا عدنا لما كتب عنها وكيف نقلها الكنعانيون منذ هجرتهم من «الجرها» موطنهم الأصلي بالقرب من العقير متجهين إلى الشمال. العراق. وفلسطين حاملين معهم أعز ما يزرعون ويأكلون فسائل النخيل. ولقد واصل أحفادهم الفينيقيون الاهتمام بالنخلة حيث زرعوها في العديد من المناطق التي أقاموا فيها بدءاً من مدن فلسطين القديمة ومروراً بمصر وليبوس «ليبيا» وبقية دول شمال إفريقيا.. تونس والجزائر والمغرب. بل عبرت فسائل النخيل مع حملات الفتوحات الإسلامية إلى إسبانيا «الأندلس». فكان التمر هو الطعام شبه الدائم لهذه الحملات لسهولة نقله ولكونه يحتفظ بجودته ولا تنتهي صلاحيته عندما يحفظ في القلال أو مكنوزاً في «القربة» المصنوعة من جلد الماعز وتسمى في شمال المملكة «العلا» المجلاد وهناك من يسميها «الشنه», والتمر سبحان الله يبقى صالحاً مدة طويلة ولعدة أعوام. فهو جاهز وكما يقال على الدوام وأفضل طعام.
والنخلة وحسب ما جاء في الأثر فإنها شجرة خير وبركة ذكرها القرآن الكريم أكثر من عشر مرات في معرض المدح في عدد من آياته, وجعلها النبي صلى الله عليه وسلم شبيهة للمؤمن في كثرة نفعها واستمرار خيرها ودوام ظلها وطيب ثمارها قال تعالى: {فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ} (الرحمن). وقال تعالى: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} (مريم). وماذا بعد لقد أبدع في العصور القديمة عشاقها في التعبير عن حبهم لها ومن خلال ما خلفوه حتى اليوم من نقوش سومرية وبابلية وحتى فرعونية نجد عمتنا النخلة مرسومة في العديد من الجداريات والمنحوتات المختلفة.
وبفضل الله قام العديد من الفنانين والفنانات في المملكة والخليج والدول العربية والإسلامية بتوظيف رسوم النخلة في لوحاتهم وأعمالهم. وبتواضع قمت أنا شخصياً برسم عشرات اللوحات التي استوحيتها من نخيل ورطب وتمر الأحساء. وبالتالي وثقت جماليات المكان والزمان في واحة الأحساء الثرية بالتاريخ والتراث. إضافة إلى بعض المنحوتات والمجسمات والتصاميم المستوحاة من النخلة.. وهذا بفضل الله وبركته..