سهوب بغدادي
يقال «قَدَّمَ اعْتِذارَهُ أي عُذْرَهُ وهي الحُجَّة الَّتي تُقَدَّمُ لِنَفْيِ ذَنْبٍ أو تَبْريرِهِ» وذلك التعريف اصطلاحًا، فنحن نعاصر العديد من المواقف في حياتنا مع أشخاص مختلفين وتختلف درجة قرابتهم وقربهم لنا، فكلما كان التعامل والأواصر أقرب كانت نسبة الخطأ أو سوء الهم أو الاختلاف أكبر، وهذا أمر بديعي وطبيعي، إلا أنه من غير الطبيعي أن تمضي الأخطاء دون تبرير أو اعتذار، من هذا النسق، أستذكر محاضرة قيمة للأستاذة والمدربة أماني إسماعيل، حيث تحدثت عن الاختلاف في أولويات البشر والشغف والاهتمامات ورسالة الشخص في الحياة بشكل مفصل ورائع، وجاء في سياق الكلام أن المربي سواء أم أو أب قد يرتكبا الأخطاء خلال عملية التربية تجاه أطفالهم، إلا أن البعض لا يعتذر عما بدر منه، بطبيعة الحال كونه قدوة ومثالًا يحتذى به، ويكتفي بتعويض الطفل بأي وسيلة كانت كالهدايا أو أخذه إلى البقالة لشراء ما يحب، قد نكون كمربين بحاجة إلى النزول قليلًا من دور الملاك المنزه، والاعتراف لأطفالنا بإنسانيتنا، فإن كان الاعتذار شفهيًّا فهو أمر جيد، وإن كان عن طريق الأفعال وتقديم هدية لايزال أمرًا مقبولًا باعتبار أن كل شخص يختلف عن غيره في طرق التعبير عن الأسف، تمامًا كما هو الحال مع طرق التعبير عن الحب والاهتمام، إنه أمر مقبول في كل الأحوال، إلا أن الفيصل في الموضوع أن يكون الاعتذار بجميع أشكاله صادقًا ولا رجعة في ارتكاب الخطأ مجددًا، عندها يكون العذر مجرد كلام «فلا تعتذر» لأي شخص عن أي فعل أو موقف إذا لم تنته عنه، من ناحية متصلة، قد يواجه البعض صعوبة في الاعتذار إزاء مفاهيمه المتعلقة بالكرامة، ظنًّا منه أن الكرامة معادلة مسكوكة لا تحمل متغير الاعتذار فيها، فالاعتذار لا يعني انتفاء الكرامة، فقيل «الاعتذار من شيم الكبار» فمن يعتذر لحبيب بهدف كسب وده ليس خاسرًا، ومن يعتذر لطفل مقابل تعليمه معاني الإنسانية والصدق والرحمة ليس بخاسر أيضًا، والأمثلة تمتد، ولكن المعيار الأساس في التعامل هو الخلق الطيب ومراقبة الله تعالى وخشيته في الآخرين، والتماس العذر لمن اعتذر وقبوله، وبذل الود في المحل الصحيح الذي يثمر فيه.