اسمه ومولده ونسبه
مقبل بن عبد العزيز بن مقبل بن عبد العزيز بن مقبل بن ماجد آل ذكير، و(ذكير) لقب على (مقبل) الذي في منتهى هذا النسب(1). ومقبل بن عبدالعزيز من مواليد المدينة المنورة في عام 1299هـ/ 1882م(2)، وينتسب الشيخ مقبل إلى الفراهيد من الأساعدة من عتيبة، وغني عن الذكر أن الأساعدة من القبائل غير الوثنية قبل الإسلام وكان منهم من الصحابة: سهل بن سعد الساعدي، وأبو أسيد الساعدي، وأبو حميد الساعدي. أما الذكير فمعناه الذكي الفطن وهو لقب جدهم مقبل بن ماجد بن محمد بن صالح بن راشد بن محمد الأسعدي العتيبي(3).
وقد انتقل جد أسرة الذكير في أواخر القرن الثاني عشر الهجري من الزلفي إلى عنيزة حيث أقاموا وعملوا بالتجارة، قبل أن تهاجر فروع من الأسرة من القصيم نحو مناطق أخرى مجاورة للاستقرار والعمل. فبالإضافة إلى فرع الشيخ مجبل الذي حل بالبحرين في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، هناك فرع آخر للعائلة استقر أفراده في الزبير والبصرة وبغداد، ومنهم الإخوان محمد وعبدالرحمن وأحمد الصالح الذكير، وكذلك الأخوان سليمان وحمد المحمد الذكير(4). وكانت فروع العائلة، رغم توزعها، على تواصل دائم قبل أن تعود إلى موطنها الأصلي وتسكن عنيزة أو تنتشر في كل من الرياض وجدة والهفوف والخبر. وهناك من آل الذكير من نزح من البصرة إلى الكويت وتصاهر مع عائلات كويتية معروفة مثل: السهلي والغانم والعجيل والشملان الرومي والناجم والنامي والشويع والسرحان والعلي وغيرها (5).
نشأته وتعليمه وعمله
وكان مولده في المدينة المنورة في زيارة من أهله لها، ونشأ في وطنه ووطن أهله عنيزة، وتعلم فيها مبادئ القراءة والكتابة والحساب، وصار لديه خط جميل، سليم في غالبه من الأخطاء الإملائية. ثم سافر مع خاله مقبل بن عبد الرحمن الذكير من عنيزة إلى الكويت، ووصل إليها في 25-4-1313ه/ 1914م وعمره في الرابعة عشرة وكان قد درس، قبل أن يأتي إلى البحرين ليعمل فيها بالتجارة ويتنقل بسبب ذلك بينها وبين العراق والهند، ثم إن مقبل بن عبدالعزيز صار كاتباً عند بعض تجار البحرين، لأنه بصير في مسك الدفاتر التجارية. وفي عام 1343ه عين الملك عبد العزيز بن سعود المترجم مديراً لمالية الأحساء(6)، فقام بتنظيم الشؤون المالية، ورتب دفاترها وسجلاتها، واستعان على عمله هذا بعدد من الشباب الكويتي الذين عرف خبرتهم وكفاءتهم، وأسند إليهم أقسام المالية، فترتبت أعمالها على أحسن ما يرام، حتى استقال برغبته منهم، وعين بدله الشيخ محمد الطويل أحد أعيان جدة، وذلك عام 1349هـ(7).
لكنه اشتهر في مجالي التأريخ والتأليف نتيجة توجهه في الكويت إلى القراءة الحرة، حيث كان يقرأ في التاريخ وفي الأدب، ويكثر من مطالعة ومتابعة المجلات الأدبية، من أمثال الهلال والرسالة والكاتب المصري، والمقتطف وغيرها، تلك المجلات التي كانت تصدر زمن شبابه في مصر، ويكتب فيها كتاب كبار من أمثال طه حسين والعقاد والمازني وأحمد أمين والزيات والرافعي وقرنائهم من ذوي الأقلام الرفيعة، وكانت تلك المجلات تنشر لكبار الشعراء من أمثال شوقي وحافظ في مصر، والزهاوي والرصافي في العراق وغيرهم؛ هذه القراءة المتواصلة المفيدة كونت لديه ثقافة في النواحي التاريخية والأدبية، ونمت موهبته الإنشائية، حتى صار يجيد التعبير عما لديه من هذه المواضيع بسهولة ويسر، ويعرضها أمام القارئ عرضاً حسناً.
ومن أشهر مؤلفاته(8):
كتاب: «مطالع الصعود في تاريخ نجد وآل سعود».
كتاب: «العقود الدرية في تاريخ البلاد النجدية».
كتاب «معجم للبلدان» ينقل فيه عن معجم البلدان لياقوت الحموي، ثم يضيف إليه ما عنده من معلومات خاصة أو معلومات جديدة عن الموضع , وهو مخطوط في مكتبة معهد الآداب الشرقية في جامعة بغداد.
منهجه التاريخي
كان مقبل بن عبدالعزيز يتجه إلى كتابات من سبقه لتأصيل ما سوف يتناوله, ولكنه لا يكتفي في تاريخه بالنقل ممن سبقه، فقد ينقد معلوماتهم، وبخاصة ابن بشر وابن غنّام، كما أن كتابه من أوفى الكتب في مجالها أما الحوادث المعاصر لها فقد فصل فيها خاصة المواضع التي في بلدة عنيزة، ففيها بعض التفصيلات، وإبراز أسماء بعض الشخصيات، علاوة على عرض المواضيع عرضاً جميلاً في كثير من مواضع مؤلفاته خاصة تاريخه المتداول، وكان -غالبًا- يعلل بعض الحوادث تعليلاً مقبولاً، إضافة إلى التزامه الحياد في روايته، فلم يتحيز لطائفة دون طائفة، وإنما يعنى بخدمة الحادثة التاريخية في حقيقتها، فيبرزها إبرازاً حسناً.
وفاته
اتجه مقبل بن عبدالعزيز للبحرين واستقر فيه وفتح محلاً تجارياً متخصصًا في تجارة اللؤلؤ، ولم يزل فيه حتى توفي في اليوم الثالث والعشرين من جمادى الأولى عام 1363هـ /1941م عن 63 عامًا, تاركًا ثلاثة أبناء، هم حسب سنهم: عبد العزيز وعبد الرحمن وعبد المحسن(9).
المآخذ
مما يؤخذ على مقبل بن عبدالعزيز: وجود اللحن في عبارته بجانب حسن اللفظ والسبك فيها. وربما تفسير ذلك أنه لم يدرس دراسة منظمة في جامعة، كما أنه لم يجلس عند العلماء في حلقاتهم العلمية.
الهوامش
(1) وهو غير «مقبل عبدالرحمن الذكير» الذي ولد في عنيزة سنة 1843م، ونشأ وتعلم القرآن ومبادئ القراءة والكتابة فيها، وتوفي ودفن بها عام 1923م عن عمر ناهز الثمانين. حينما شبّ قرر العمل في التجارة فغادر مسقط رأسه إلى جدة التي كانت في تلك الحقبة المبكرة من المراكز التجارية المهمة في الجزيرة العربية. وهناك راح يشتغل في تجارة اللؤلؤ التي كانت رائجة آنذاك، وبسبب ذلك راح يتردد على الهند لبيع محصوله من اللآلئ الطبيعية في سوق «موتي بازار» في بومباي، كما راح يتردد على البصرة لأعمال تجارية أخرى ولزيارة أقاربه من آل الذكير المقيمين هناك. وكان خلال أسفاره إلى البصرة يتوقف في البحرين فأغرم بها وبطبيعة شعبها، وقرر بدءاً من عام 1877م أن يستقر بها ويتخذ منها مقراً لتجارته، خصوصاً أن البحرين كانت في تلك الأيام من أهم مراكز صيد وبيع وتصنيف اللؤلؤ، فضلاً عن موقعها الإستراتيجي وازدهار أسواقها. وكان له شهرة بتجارته الواسعة وإحسانه وكرمه، يسمى (فخر التجار)، طبع كثيرًا من المراجع المهمة، منها: (كشاف القناع) وعلى هامشه (شرح منتهى الإرادات)، كما طبع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، و(إعلام الموقعين)، و(حادي الأرواح).. وغيرها من الكتب السلفية المفيدة. ومقبل بن عبد الرحمن أسنّ من مقبل بن عبد العزيز، وهو خاله. ويشتبه على بعض الناس هذا بصاحب الترجمة، فيخلطون هذا.
(2) حدد الدكتور محمد بن سعد الشويعر: من تراثنا: مقبل الذكير وتاريخه, مجلة الدارة, 1978م, 2, ص122. أن صاحب الترجمة عاش في الفترة بين 1299-1363هـ/1882-1944م.
(3) يرجح أن سبب تسميته «الذكير» هو أنه في إحدى رحلات القوافل التجارية في عام 1747 كان الجد مقبل بن ماجد صبيا موهوباً ومفعماً بالحركة والحيوية والنشاط، وتصادف وجود صبي آخر في القافلة نفسها يحمل اسم مقبل ويعمل كخادم، لكنه كان كسولاً متقاعساً، فإذا ما نادوا عليه جاءهم مقبل الآخر ليلبي الطلب دون تأخير، ومنعاً للالتباس أطلقوا على الأخير لقب الذكير كناية عن ذكائه ونباهته ووعيه، فكان اللقب في مكانه لأنه سرعان ما تألق بفطنته وذكائه في عالم التجارة وأورث تلك الخصال لأبنائه وأحفاده. «كاظم فنجان الحمامي» مقال منشور بتاريخ 12 يناير 2014م.
(4) سليمان وحمد المحمد الذكير: عُرفاً عند الناس بالصدق في الوعود والعفة والنزاهة والكرم، وعدم التعالي على الناس قبل أن يصف سليمان بالوداعة وسعة البال والبشاشة واتصف حمد بالصرامة والانضباط والإنصاف والعدالة. وكان سليمان قد ولد في نجد في عام 1875م واشتغل بالتجارة البرية في مدينة الكوت في عام 1886م ثم انتقل إلى البصرة في عام 1892 حيث اشتغل بخطوط السفن البحرية المترددة ما بين البصرة والموانئ الهندية بدلاً من العمل في تجارة القوافل البرية. أما حمد فجاء العراق من نجد في عام 1893م وعمل في التجارة مع أشقائه متنقلاً بين ضاحية الحي في الكوت، وسوق الشيوخ في ذي قار، وقلعة صالح في العمارة، والزبير، والبصرة. وقد توسع آل الذكير في البصرة في أعمالهم وأحرزوا سلسلة من النجاحات المتواصلة في المجالات التجارية والملاحية والزراعية والثقافية والاجتماعية خصوصاً حينما صار النجل الأكبر لسليمان واسمه عبدالله عميداً للعائلة. كاظم الحمامي: مقال منشور بتاريخ 12 يناير 2014م.
(5) عبدالرحمن بن صالح الشبيلي, قال منشور بصحيفة الشرق الأوسط اللندنية بتاريخ20-11-2011م.
(6) توجد وثائق متنوّعة في الدارة، تدل على مراسلات مستمرّة بعضها مع الملك نفسه، والآخر مع محمد بن شلهوب (الشهير بشلهوب) مسؤول التموين والخزينة، الحائز على ثقة الملك (توفي عام 1969م)، تدور حول أمور تموينية ومالية، إبُان قيام الذكير بإدارة مالية الأحساء في عامي 1929م و1930م.
(7) عبدالله بن عبدالرحمن بن صالح البسام: علماء نجد خلال ثمانية قرون، ط2، دار العاصمة، الرياض، 1419هـ، ج6 ص429-431.
(8) عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح آل بسام, خزانة التّواريخ النجديّة - ج 7, ص11-15.
(9) عبد الله بن عبد الرحمن بن صالح آل بسام, خزانة التّواريخ النجديّة - ج 7, ص11-20.
** **
د. جمعان عبدالله مسفر الشهراني - الباحث في التاريخ الحديث والمعاصر