عطية محمد عطية عقيلان
يعتبر الصمت حكمة وفضيلة، ونحرص أن نتصف به ونمارسه في حياتنا، وللصمت فضائل كثيرة خاصة عن اللحظات الصعبة والمصائب والخسائر ووقت المحن، وكلما لزمناه عند الغضب والانفعالات، يصبح مفيداً، حتى لا نقول ما يسيء لنا ويحملنا المسؤولية والعقاب والإثم، ويعتبر أحيانا نوعا من التعبير للحياد وعدم الرغبة بالتدخل بما لا يعنينا، حتى لا نلقى ما لا يرضينا، وقد يكون هذا مقبولا ويعتبر فضيلة، إذا كان يؤدي إلى خير وتجنب وقوع شر، ولكن الصمت قد يتحول إلى رذيلة عند كتم قول الحق وعدم الادلاء بالشهادة والرأي الصحيح، وخاصة عند الهجوم على الدين والوطن، لأنه هنا يصبح جريمة ورذيلة، والواجب الدفاع وذكر شهادة الحق والدفاع عنه، وبصمتك هذا سينالك عواقبه عاجلا أم آجلا، وهذا يأخذنا إلى قصة المثل العربي الشهير «أكلت يوم أكل الثور الأبيض»، لتعبر عن أن الصمت والحياد، قد يكون مضرة، ليس للآخرين فقط بل لنا لأننا سيصلنا حتما آثاره، كما حدث مع الثور الأبيض والأسود والأحمر، عند صمتهم عن تنبيه الثور الأبيض بنوايا الأسد، ليصبحوا جميعا ضحايا الأسد، لممارستهم الصمت في غير وقته، بدل تنبيههم لبعضهم، كذلك قد يتحول الصمت إلى أداة تعين على الظلم وأكل الحقوق والتعدي على الآخرين، هنا تكون صفة ذميمة ورذيلة سيئة تستوجب التخلي عنه والبوح بالحق وتنبيه الظالم حتى لا يستمر في بغيه وظلمه وتعديه، يقول الرئيس الأمريكي السابق توماس جفرسون «كل ما يتطلبه الطغيان للوجود، هو بقاء ذوي الضمير الحي صامتين»، وهذا الطغيان قد يكون أكل حق مادي أو إنكار معروف أو التنبيه لعيوب وفساد ذلك الشخص، خاصة عند الرغبة بالمصاهرة أو الشراكة التجارية، وجلنا يفعل الصمت من باب «أنا وش دخلني»، متناسين أننا في صمتنا نتحول إلى مساهمين في الغش والظلم والتغرير، وسنحاسب عليه وسنحصد ثماره ويرتد علينا في مواقف تخصنا، فلا يعفينا من المسؤولية بأن الموضوع لا يمسنا ولا دخل لنا فيه، فعندما نرى من يسرق أو يخالف الأنظمة أو يعتدي على أحد أو يخون الأمانة، فواجب علينا أن ننبهه وننصحه ونوجهه للصواب والطريق الصحيح ونذكره بكلمة الحق، أو أضعف الإيمان أن نتجنب مزاملته أو مصاحبته، وهناك مقولة للسلف الصالح «الساكت عن الحق شيطان أخرس، والناطق بالباطل شيطان ناطق»، كما ورد في سورة البقرة، وجوب الشهادة بالحق، في قوله تعالى: (وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قلْبُهُ)، لذا لي ولك عزيزي القارئ، ابحث عمن يدلك على تطبيق الحق ويذكرك به ويرشدك على اتباعه، بعيدا عن تمضية الأوقات باللهو واللعب، لأنك بدون أن تشعر، ستتحول إلى ثور أبيض أو أحمر أو اسود، نتيجة لصمتك عن ظلم وتجاوز الآخرين لبعضهم، وسيصلك هذا الخداع والغش والتغرير كما مروا به، لذا احرص أن تقول كلمة الحق وتعين عليه وتقدم النصح وتبرئ ذمتك بشهادة العدل، مع تجنب مصادقة أو منادمة كل ظالم وكاذب وسارق، ومنذ قديم الزمن يعتبر من المروءة التحلي بالأخلاق والأمانة وقول الحقيقة، مهما كانت الخصومة، لذا يقال: «إذا عجزتم عن تطبيق فضائل الإسلام، فمروءة الجاهلية»، وتمثل قصة جرير والفرزدق وما حصل فيها من صراعات ومعارك أدبية، وهجاء وتهجم، مثال على هذه الخصومة بمروءة وأخلاق، فعند وفاة الفرزدق، رثاه بقول الحقيقة فذكر فضائله ومحاسنه، والخير الذي كان يفعله بقصيدة تعتبر من أجمل قصائد الرثاء في الأدب العربي.
خاتمة:
الصمت قد يكون حكمة وفضيلة في وقته المناسب، وقد يتحول إلى رذيلة عند كتم الحق والصمت عن التذكير بها، والمساعدة في وقف التجاوز والتعدي والافتراء، لذا لا نعتبر الحياد هو أسلم طريقة للتعايش مع الناس، لأننا ممكن أن نكون بحيادنا منافقين ومعينين للظلم والتجني، قال رسول اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «لا يَمنَعَنَّ أحَدَكم مَخافةُ النَّاسِ أنْ يَقولَ بالحَقِّ، إذا شَهِدَه أو عَلِمَه».