د.شريف بن محمد الأتربي
صباح الخير، ممكن آخذ المسّاحة، نظرة غاضبة جداً يتبعها ضربة بكف اليد على وجهي بلا أي سبب، ضربة ما زلت حتى الآن أحس بألمها رغم مرور أكثر من 40 عاماً عليها، لا يزال الموقف مرسوماً أمام عيني مستر «باسيلي» مدرس اللغة الإنجليزية في الصف الأول المتوسط يقف أمام السبورة السوداء ليشرح لطلاب صف أول/ 2 متوسط درساً في اللغة الإنجليزية، وفي ذات الوقت طلب أستاذ ممدوح مني إحضار مسّاحة السبورة من الفصل الثاني، وبكل براءة هذا العمر- وبلا أي تجاوز مني - نفذت الطلب فكانت النتيجة ندبة في قلبي حتى الآن لا ولن أنساها ما حييت.
وجاء في معجم المعاني الجامع أن الندبة هي: نَدْبَةُ الْجُرْحِ: أَثَرُهُ البَاقِي عَلَى الجِلْدِ، وندوب الزمان: آثار أحداثه على الإنسان، وكل الجروح تطيب إلا جرح الكرامة والمشاعر.
وخلال رحلة التعليم الممتدة لأكثر من 16 عامًا تقريباً، يتعرَّض الطلاب للكثير من الندوب التعليمية، أبسطها قول المعلم للطالب: أنت ما تفهم! عبارة قصيرة جداً في كلمتها، عميقة جداً في أثرها على الطالب ربما جلس العمر كله لا يشارك في أي حوار، أو يطرح وجهة نظرة خوفاً من ردة فعل المحيطين به وتقوّلهم عليه، عبارة أطلقها المعلم ربما بدافع التأكيد على أن يركز الطالب في الشرح، وأن يستوعب ما يُقال، وربما أراد بها تعديل المفاهيم الخاطئة لدى المستمع، ولكن صدى العبارة في نفس متلقيها كان بمعنى آخر، معنى يهدم ولا يبني، يحبط ولا يحفز.
وعلى نفس المنوال أيضاً هناك جروح تصيب المعلم من طلابه ولا يندمل أثرها مهما مرت تغيّرت وجوه الطلاب داخل القاعات، ستظل الكلمة مكتوبة على جدران الفصول وأوجه الطلاب، حتى في كراس التحضير بين كلماته وسطوره، وربما كانت هذه الكلمة سبباً في ترك المعلم لعمله.
وعلى نقيض الندوب التعليمية هناك البهجة التعليمية، هناك التعزيز للطالب أثناء الشرح، فبدلاً من عبارة: أنت ما تفهم! يمكن استخدام عبارة: أحسنت، ولكن هناك تفسير آخر أكثر دقة يمكنه التعبير عن هذا الموضوع، هذه العبارة كفيلة بأن ترفع مستوى هرمون السعادة لدى الطالب، وتزيد ثقته في نفسه، وتنمي فيه الرغبة الدائمة في المشاركة والمناقشة. وهناك أيضاً التحفيز، سواء المادي أو المعنوي، فتوزيع المعلم للحلوى على الطالب الذي أجاب الإجابة الصحيحة، أو منحه درجة من درجات المشاركة كفيلة ببث روح التنافس الطلاب وبعضهم البعض.
إن الندوب بفعل الزمان تطيب، إلا ندب الكرامة فما له من طبيب.