خالد بن حمد المالك
كان يطلق على إيران في عهد الشاه على أنها شرطي أمريكا في المنطقة، وكانت طهران آنذاك لا تخرج عن شور ومشورة واشنطن، غير أن أطماعها في التمدد لم تكن معلنة كما هي اليوم، وما أعلن عنه أيام الشاه اقتصر على احتلال الجزيرتين الإماراتيتين طنب الصغرى وطنب الكبرى، والشيطنة في ادعاء البحرين على أنها جزء من إيران بعد انسحاب بريطانيا منها، غير أن موقف المملكة القوي إبان عهد الملك فيصل حال دون تحقق أطماع إيران بالذهاب إلى صناديق الاقتراع، والاستفتاء على حق المواطنين في تحديد مصير الدولة، وكانت النتائج لصالح استقلال إمارة البحرين التي تحولت لاحقاً إلى مملكة البحرين.
**
ومع سقوط الشاه، وتسلم أصحاب العمائم السوداء سدة الحكم في البلاد بعودة الخميني من منفاه في فرنسا إلى طهران بطائرة فرنسية خاصة بدعم أمريكي وأوروبي واضح، فيما بقي الشاه الذي غادر البلاد طريداً معلقاً بالجو وقد تخلت أمريكا حتى عن قبوله لتلقي العلاج ودفنه في أراضيها إرضاءً وتودداً للنظام الإيراني الجديد بقيادة الخميني في العام 1979م، وكان يمكن أن يموت الشاه في الجو لولا أن الرئيس المصري الأسبق أنور السادات شمله بعطفه الإنساني ليلقى حتفه ودفنه في الأراضي المصرية، وهو ما لم تَقْوَ عليه أكبر دولة في العالم، وهو صديقها الذي كان يحقق لها مصالحها في المنطقة، وينفذ مطالبها.
**
هذا يقودنا إلى القول، إن ما نراه من توتر مصطنع بين إيران وأمريكا هو للتمويه وذر الرماد في العيون لإخفاء علاقات ذات مصالح عالية بين الدولتين، وإلا ما معنى هذا التراخي في التعامل مع المفاعل النووي الإيراني كل هذه السنوات دون إجراء أو تصرف حازم وحاسم، وماذا عن سكوتها عن التدخل الإيراني المعلن في دول المنطقة، ونشرها الميليشيات في العراق واليمن ولبنان وسوريا سواء من الإيرانيين، أو ممن ينتمون بالولاء لإيران من المواطنين إلى درجة إعلان إيران الوقح عن أن بغداد وصنعاء وبيروت ودمشق أصبحت عواصم إيرانية.
**
منذ أيام أعلنت واشنطن عن تخصيص عشرة ملايين دولار لمن يدلها على آليات حزب الله اللبناني في تحويلاته المالية، وكأن أمريكا الدولة الأولى في التجسس على مستوى العالم لا تعرف أن إيران هي من تموّل الحزب بالمال والسلاح، وأن أمين الحزب حسن نصر الله أعلن أكثر من مرة على أن مأكل حزبه ومشربه ورواتب عناصره وسلاحه مصدرها كلها إيران رضي من رضي وغضب من غضب، فلماذا بدلاً من هذا الإعلان لحسم المشكلة أن يتم التعامل الحازم والحاسم والقوي مع المصدر لهذه الأموال وهي إيران، لولا أن هناك علاقة مشبوهة بين طهران وواشنطن غير المعلنة التي تُظهر وجود عداء بين الدولتين.
**
فهل أمريكا عاجزة عن منع وصول هذه الأموال إلى حزب الله, وعن تدمير المفاعل النووي، وهل هي غير قادرة على منع وصول السلاح الإيراني إلى أيدي الميليشيات في كل من بيروت وبغداد وصنعاء ودمشق، ومثل ذلك الحيلولة دون وصول السفن الإيرانية المحملة بالسلاح التي تجوب البحار أمام التواجد العسكري الأمريكي في البحار إلى وجهتها، لولا أن في (الجو غيم!!) وهو ما لا يخفى على المتابع، وعلى الدول المتضررة أو المستفيدة من هذا السلوك الإيراني الذي يظهر وجود ما يُفسر على أنه حماية أمريكية له، بدليل إغفال واشنطن عن أي تصرف، والاكتفاء بعقوبات على إيران لا يتم تطبيقها إلا بقدر محدود وبما لا يمس المصالح الإيرانية، أو يحد من تصنيعها للمسيرات والصواريخ وغيرها من الأسلحة التي تزود بها الميليشيات في الدول العربية لإيذاء المواطنين، وزعزعة الاستقرار في المنطقة.
**
هذه ليست أسراراً يطويها النسيان، أو تخفيها السنوات أو المستجدات في العالم من حروب وغيرها، وإنما يتجدد التذكير بها من حين لآخر وفقاً لتصرفات إيران، وتعاملها الوقح مع جيرانها، والموقف الأمريكي المهادن خوفاً من ممارسات إيرانية تعّرض مصالح أمريكا للخطر في المنطقة وعلى امتداد العالم، وفي مقابل ذلك ها هي واشنطن تثير الزوابع، وتصطنع الخلافات، مع من تسميهم الأصدقاء والحلفاء، الملتزمون بعلاقاتهم الدولية, الحريصون على الأمن والاستقرار والسلام دون مبرر، هذا المقال محاولة لنفهم ماذا تريد أمريكا؟!