م.مصعب الداوود
تمر المحن على الكثير من الدول والشعوب، وهي إما تقوي صلابة هذا الشعب وتجعله أكثر تماسكاً وأقدر على استجماع قواه وإعادة ما كان كما كان، وإما أن يكون ذا مناعة ضعيفة فلا يستطيع مواجهة الظروف والكوارث والأزمات التي تحيط به، وما حصل في الأيام القليلة الماضية لهو من أكبر الأدلة على ما نقول، ففي السادس من فبراير الجاري، حدثت تلك الكارثة والمحنة على مدن الجنوب التركي والشمال السوري والتي راح ضحيتها الآلاف وتهدمت بسببها آلاف المساكن وأصبحت بعض المدن غير مأمونة السكن، ولكن ما زالت هناك حركة دائبة ومتواصلة وجهود حثيثة من داخل البلد وخارجه لإسعاف المصابين وإيجاد الملاذ الآمن للمشردين وما بين الألم والأمل ستعود الحياة كما كانت، فما بين الألم والأمل حكاية ستروى قريباً، وهذه الكارثة تذكرنا بكارثة 1999 فيما يعرف بزلزال مرمرة الذي تسبب بوفيات وأضرار تقارب أضرار الزلزال الأخير الذي كان على أجزاء من مدينة إسطنبول درة الأناضول، هذه الحوادث جميعها لم تكن حاجزا مانعا للناس عن ممارسة حياتهم الطبيعية، فقبل أيام كنا في رحلة لمدينة إسطنبول وشاهدنا حياة طبيعية وسياحا من دول بعيدة، كانت زيارتنا بدعوة كريمة من الملحقية الثقافية في السفارة التركية في الرياض، عند وصولنا رأينا مدينة شامخة بمساجدها ومآذنها وإطلالاتها على مضيق البسفور وعلى الخليج الذهبي الذي شهدت أمواجه حكاية فتح القسطنطينية على يد محمد الفاتح، رأينا ذلك البرج الذي يلوح للقادم لإسطنبول وهو برج غلطة التاريخي وكيف اجتمعت الفلاشات لتصوير الذكريات حوله، رأينا ذلك القصر الكبير الذي كان شاهدا على دولة قامت لخمسة قرون وهو قصر الباب العالي، كان حركة الناس دائمة وكانت الساحات والميادين تعج بالمارة خصوصاً ميدان الاستقلال بمتاجره المتناثرة يميناً وشمالاً وهي منطقة لا تخلو من محال المأكولات الشعبية ومن أبرزها الحلقوم الطازج والبقلاوة المحلية التي ليس لها مثيل، عرفنا في خلال المرشد السياحي أثناء شرحه لتاريخ بعض المعالم أن المدينة تعرضت لزلازل سابقة تهدمت بسببها بعض المساجد التاريخية ولكن سرعان ما أعيد بناؤها من جديد وهي تمثل الرحلة ما بين الألم والأمل، درة الأناضول إسطنبول لم تزل تستقبل الزوار بمختلف الديانات الطالبين لرؤية الفنون الإسلامية والبيزنطية والتي يرون من خلالها ذلك التسامح الكبير من الفاتح الذي احترم التراث القديم من غير تهميش لتراث إسامي جديد بدأ عام 1453، استمرت رحلتنا القصيرة التي راودتنا فيها الشكوك والارتياب في البداية والتي أقلقت الأحباب والأصحاب نظرا لما حدث من زلازل بالقرب منها استمرت لخمسة أيام حيث خُتمت هذه الرحلة بزيارة مدينة تاريخية وهي مدينة أدرنة العاصمة الأولى لإمبراطورية العثمانية، لم تكن كدرة الأناضول ثقافيا واقتصاديا وشعبيا ولكن لكونها العاصمة الأولى اكتسبت تلك الشهرة، كانت أجواؤها هادئة وكأنها نقلت صخبها القديم إلى درة الأناضول إسطنبول، لم تكن تلك الجولة لهذه المدينة إلا يوما واحدا اختصرها لنا برنامج الرحلة لكن لم تختصرها نفوسنا المتشوقة لرؤية الكنوز الأثرية والتاريخية، ولعلنا أدركنا فيما بعد أن للأناضول كنوزا مدهشة يصعب حصرها وزيارتها جميعا ولكن لعل الكتب والرحالة بذكرياتهم يصورون لنا بالكتابة ما نستدركه بالخيال، وختاما لم أكن لأتحدث عن تلك الرحلة لشمالي الأناضول لولا أني رأيت أن أسلوب التفاؤل طريقاً لتسلية النفوس فها هي إسطنبول قد تعرضت لدمار تاريخها بكوارث طبيعية أو حربية ولكن رجعت مجددا.