الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
تؤكد الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة على السعي في قضاء حوائج الناس؛ لأن ذلك من وسائل التقرب إلى الله تعالى والحصول على الثواب والأجر العظيم.
وفي قضاء حوائج الناس فضل عظيم، ونشر للمحبة بين أفراد المجتمع، والتوليف بين قلوبهم، ومن هنا كان التعاون على الخير بين أفراد المجتمع ضرورة إنسانية واجتماعية، لا يستطيع الناس الاستغناء عنها.
«الجزيرة» التقت عدداً من المختصين في العلوم الشرعية والاجتماعية للتحدث حول فضل ذلك، وكيفية ترسيخ هذا المنهج الإسلامي النبيل في المجتمعات.
منزلة المجاهد
يستهل الشيخ عبدالله بن صالح العبيلان مفوض الإفتاء بمنطقة حائل سابقاً، بقول الله تعالى: {لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا}، وقال تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، وفيها من العلم: قال في أوَّلِ الآيَةِ {وفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ على القاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا}، ولا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِن هَذا المجاهد هو المجاهِدَ بالمال والنَّفْس فَقَط، وإِلا حَصَلَ التَّكْرارُ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ المُرادُ مِنهُ: مَن كانَ مُجَاهِدًا عَلَى الإِطْلَاقِ في كُل الأُمُورِ» انتهى من التفسير الكبير قلت: ويدل عليه اقتران الساعي في الأرض بالمجاهد في سبيل الله في آية سورة المزمل، وبهذا جاءت السنن الصحيحة فقد روى الشيخان عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الْجِهَادَ قَالَ: «لَا أَجِدُهُ». قَالَ: «هَلْ تَسْتَطِيعُ إِذَا خَرَجَ المُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَكَ فَتَقُومَ وَلَا تَفْتُرَ، وَتَصُومَ وَلَا تُفْطِرَ؟».قَالَ: وَمَنْ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ» وروى الشيخان عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ، أَوِ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ» ومن ذلك قوله: «مَنْ جَهَزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا» متفق عليه. وقال تعالى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ * وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْوَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}.
تكثير الحسنات
يقول الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله الهذلول رئيس مجلس إدارة جمعية تحفيظ القرآن الكريم بمنطقة الرياض «مكنون»: لقضاء حوائج الناس فضل عظيم، وهو من الأعمال الصالحة التي يتقرب بها المسلم إلى الله تعالى كما جاءت وصية ربنا بذلك في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، ومن أفضل وسائل فعل الخير قضاء حوائج الناس بلا ريب، وهو سبيل إلى تكثير الحسنات، كما قال جل شأنه: {مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا}، قال الإمام ابن كثير رحمه الله: من سعى في أمر فترتب عليه خير، كان له نصيب من ذلك.
وفي السنة المطهرة روى الشيخان عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم أخو المسلم، لا يَظلمه ولا يُسلمه، ومَن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته)، كما أن قضاء حوائج الناس من وسائل وَحدة المجتمع؛ فقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا، وشبك بين أصابعه) متفق عليه.
وما زال الناس يدركون تلك الفضائل ويحثون عليها حتى قال عطاء بن أبي رباح رحمه الله: «تفقَّدوا إخوانكم بعد ثلاث، فإن كانوا مرضى فعودوهم، أو مشاغيل فأعينوهم، أو كانوا نسوا فذكِّروهم».
وجاء رجل إلى الحسن بن سهل رحمه الله يستشفع به في حاجة فقضاها، فأقبل الرجل يشكره، فقال له الحسن بن سهل: «علامَ تشكرنا ونحن نرى أن للجاه زكاةً كما أن للمال زكاةً؟!»، وقال عبيدالله بن العباس رحمه الله لابن أخيه: «إن أفضل العطية ما أعطيت الرجل قبل المسألة، فإذا سألك فإنما تعطيه ثمن وجهه حين بذَله إليك».
نسأل الله أن يجعلنا من عباده الذين استعملهم في طاعته ونفع عباده.
مواقف طيبة
ويؤكد الأستاذ علي بن أحمد الصعيب المستشار الأسري أن الإسلام منهج حياة إنسانية واجتماعية وواقعية، يقوم على التراحم والتكامل والإحسان، فخدمة الناس في قضاء حوائجهم عمل صالح يدعو له ديننا الحنيف، فالسعي في قضاء حوائج الناس هو كلّ عمل يحكم العقل والدين بصلاحه؛ فمن الطرق التي ترسخه في المجتمعات:
أولاً: الأسرة من خلال التربية بحيث يُبنى كقناعة تمارس من قبل الأب والأم لكي تكون صورة ذهنية بالكلمة الطيبة والمواقف الطيبة فيتأثر بها الأولاد منذ نعومة اظفارهم وتتم ملاحظة ذلك والمكافئة عليها لترسيخها كعادة سلوكية محمودة.
ثانياً: من خلال دور المسجد بالتوجيه السليم المتزن بأن أفضل القُربات إلى الله السعي في قضاء حوائج ذوي الحاجات.
ثالثاً: المدارس والجامعات يوضع له منهجاً منظماً لتأسيس ثقافة تعليمية وتربوية حول السعي في خدمة الناس بوعي وبأساليب وأفكار احترافية تجذب الطلاب والطالبات له كمساعدة بعضهم البعض.
رابعاً: من خلال الإعلام المرئي والمقروء الموثوق بأن يُوضح بصور جميلة عن قضاء حوائج الناس وبمشاهد تمثيلية هادفة قصيرة.
خامساً: بيئة العمل خاصة تلك التي يكون فيها خدمة المواطنين والمقيمين مما يجعل العلاقات الاجتماعية والروابط الإنسانية مستقرة ومترابطة.
سادساً: دور مؤسسات المجتمع المدني في حث الناس داخل المجتمع بطرق مرسومة ورسمية ليكونوا يداً واحدة لبناء المجتمع ممّا يزيد من لحمة التماسك المجتمعي.