الأُسُّ: أصلُ البناء، ومثلهُ الأساسُ، والأَسَسُ مقصرٌ منه، يقال: قد أسسّتُ البناءَ تأسيساً من باب مصدر فعّل تفعيلاً، الّذي يدل على زيادة المعنى بتضعيف العين، وجمعُ (الأَسَسِ) هو الآسَاسٌ كالأسباب، وجمعُ (الأُسِّ) إِسَاسٌ، و(الأَسَاسُ) أُسُنٌ.
يلحظ بأنَّ كلمة (التأسيس) كثر دورانها تعدد استعمالها مما أدّى ذلك إلى تعدد أصولها تباينت جموعها.
كذلك تدلُّ على قوةِالصَّوتِ؛ لذا يقالُ في علمِ العروضِ (التأسيس) في القافيةِ يقصدُ به الألف التي ليس بينها وبين حرف الروي إلا حرفٌ واحدٌ مما زادها قوة قربها من حرف الروي كونه أقوى حروف القافيةُّ.
وقد ناسب مدلول كلمة (التأسيس) هذا اليوم العظيم الذي يجسد:
• الانتماء إلى الوطنِ منذُ وقتٍ مبكرٍ، وهو إحساسٌ مستمرٌ شعريٌّ غريزيٌّ فطريٌُّّ.
• الافتخار بما مضى وبما هو حالي.
• الاعتزاز، ويكون في أمرين:
- عزّ الشي إذا قلّ، هذا الوطن قبلة المسلمين، ومهبط الرسالة، ومنبع الفصحى قل وطن مثله فحق لنا الاعتزاز به
- العظيم.
وعلى هذا، فإنَّ تأسيسَ الدولةِ السعوديةِ الأولى يمثلُ بدايةَ عهدِ الإمامِ محمدٍ بنِ سعودٍ في منتصفِ عامِ ألفٍ ومائةٍ وتسعةٍ وثلاثينَ من الهجرةِ النبويةِ الشريفةِ، وهو يومُ اعتزازٍ بالجذورِ الراسخةِ لهذهِ الدولةِ المباركةِ، وارتباطِ مواطنِيها بقادتِها منذُ عهدِ الإمامِ محمدٍ بنِ سعودٍ قبلَ ثلاثةِ قرونٍ، ومدِّ جسورِ التَّواصلِ بينَ الحاضرِ والسابقِ، للسابقِ تأسيُسُ مجدِهِ، وللحاضرِ حفظُ تراثِهُِّ.
وقفةُ وفاءٍ لإمامٍ صنعَ مجداً نسيرُ على دربِهِ، ورسمَ حدثاً عظيماً جمعَ أفئدةَ النَّاسِ حولَّه، للوفاءِ بهذا الحدثِ بصمةٌ، وللاعتزازِ برموزِ هذا الوطنِ وقفةٌ، سطَّرها الإمامُ بودٍّ، ورسمَهَا القادةُ بحبٍّ، ولوَّنها الأبناءُ بعزمٍ، حتَّى ظهرتْ لوحةُ الوطنِ جميلةٌ، يرفرفُ فيها علمُ الأمنِ، ويصدعُ فيها صوتُ الحقِ، وينادي فيها منادٍ العدل، دستورُها القرآنُ الكريمُُّ.
وهُوُيتُها اللُّغةُ العربيَّةُ، لها صوتٌ غيرُ خافتٍ؛ لأنَّ الهُوُيةَ هي سببُ بقاءِ اللُّغةِ العربيَّةِ وخلودِها وقوتِها؛ لذا قالَ خادمُ الحرمينِ الشريفينِ الملكُ سلمانُ بنُ عبدِالعزيزِ –حفظَه اللهُ ورعاه-: «نصيحتي الخالصةُ لأبنائي الشبابِ وبناتي الشاباتِ أن يُقبلوا على تعلمِ اللُّغةِ العربيَّةِ، ويتفننوا في استخدامِها، فهي لغةُ دينِهم ووطنِهم وآبائِهم وأجدادِهم» فهي هُوُيةُ كلِّ عربيٍّ، وقد كشفَ هذا الأمرُ الملكيُّ ذو الرقم (أ/ 9ُّ. المادة (1) من النظامِ الأساسيِّ للحكمِ) وتاريخ (27/ 8/ 1412ه) بأنَّ اللُّغةَ العربيَّةَ لغةُ الدولةِ(ينظر: مدونة قرارات اللُّغة العربيَّة في المملكة العربية السعودية الأوامر والقرارات والأنظمة واللوائح والتعاميم الصادرة عن مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللُّغة العربيَّة).
ومن هذا المنطلقِ، صدرتْ قراراتٌ في المملكةِ العربيَّةِ السعوديَّةِ حولَ اللُّغةِ العربيَّةِ، تؤكدُ أهميةَ اللُّغةِ العربيّةِ في هذا الوطنِ المباركِ، وهي اللُّغةُ الرسميَّةُ، حيثُ ارتبطتْ بالجنسيةِ والانتماءِ إلى الوطنِ منذ وقتٍ مبكرٍ، عندما صدرَ قرارٌ من رئيسِ مجلسِ الوزراءِ رقمُهُ (4) وتاريخُهُ (25/1/ 1374ه)ينصُّ على: «اقترانِ لفظتي العربيَّةِ السعوديَّةِ في نظامِ الجنسيَّةِ»(ينظر: مدونة قرارات اللُّغة العربيَّة في المملكة العربية السعودية الأوامر والقرارات والأنظمة واللوائح والتعاميم الصادرة عن مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللُّغة العربيَّة).
وقد تُوجَت هذه الجهود بمركزِ الملكِ عبدِ اللهِ بنِ عبدِالعزيزِ الدوليِّ لخدمةِ اللُّغةِ العربيَّةِ، الَّذي يهدفُ إلى:
1- المحافظِ على سلامةِ اللُّغةِ العربيةَّ.
2- ترسيخِ اللُّغةِ ونشرِها.
3- دعمِ اللُّغةِ العربيَّةِ وتعليمِها.
4- نشرِ الأبحاثِ والدراساتِ اللُّغويَّةِ.
5- وضعِ المصطلحاتِ العلميَّةِ واللُّغويَّةِ والأدبيَّةِ.
6- تكريمِ العلماءِ والباحثينَ والمتخصصينَ في اللُّغةِ العربيَّةِ.
واللُّغةُ العربيَّةُ هي مرآةُ المجتمعِ، ومنبرُها الثقافيُّ، يقولُ خادمُ الحرمينِ الشريفينِ الملكُ سلمانُ بنُ عبدِ العزيزِ آلِ سعودٍ:
إنَّ لغتَنا العربيةَ لغةُ حضارةٍ وثقافةٍ، وقبلَ ذلك لغةُ الدينِ القويمِ، ومن هنا فإنَّهالغةٌ عالميَّةٌ كبرى شَمِلت المعتقداتِ والثقافاتِ والحضاراتِ، ودخلتْ فيمختلفِ المجتمعاتِ العالميَّةِ، وهي مثالٌ للغةِ الحيَّةِ الَّتي تؤثرُ وتتأثرُ بغيرِها من اللُّغاتِ.
(ينظر: الجهود السعودية في خدمة اللغة العربية السياسات والمبادرات، الصادر عن مركز الملك عبدالله بن عبدال عزيز الدولي لخدمة اللُّغة العربيَّة).
ويومُ التأسيسِ توحَّدَ فيه النَّاسُ، وازدهرتْ الحياةُ في ظلِ الأمنِ والإيمانِ، وانتشرتْ الثقافةُ والعلومُ، وثمرة ذلك إنشاءُ مجمعِ الملكِ سلمانَ للغةِ العربيَّةِ في المملكةِ العربيَّةِ السعوديَّةِ؛ لكونها موطنَ الرسالةِ، ومنزلَ القرآنِ الكريمِ، ومنبعَ الفصحى يهدف إلى المحافظةِ على سلامةِ اللُّغةِ العربيَّةِ نطقاً وكتابةً، والمحافظةِ على فصاحتِها، وأصولِها، وأسالِيبها، وأقيستِها، ومفرداتِها، وضوابطِها، وقواعدِها، ولهجاتِها، وتعلمِها وتعليمِها، وانتشارِها.
** **
- د. فهد بن سالم المغلوث