خالد محمد الدوس
ولد عالم الاجتماع (وليام غراهام سمنر) في باترسون بولاية نيوجيرسي عام 1840 من أب إنجليزي كان يعمل ميكانيكي سيارات.. هاجر إلى الولايات المحتدة الأمريكية عام 1836 وتوفيت أمه عندما كان وليام في الثامنة من عمره، وبعد الانتهاء من تعليمه العام التحق عام 1859 (بجامعة ييل) هذه الجامعة الأمريكية المخضرمة التي تأسست عام 1701, يعمل بها (65 عالماً) حازوا على «جائزة نوبل» في فروع مختلفة..! فدرس الفلسفة والتاريخ وبعد تخرجه سافر إلى إنجلترا وألمانيا لمواصلة تعليمه العالي وقد تعلّم اللغة العبرية واليونانية والفرنسية والألمانية وفي عام 1872 عيّن (وليام سمنر) أستاذاً للسياسة والعلوم الاجتماعية في جامعة ييل وبقي في الجامعة حتى وفاته عام 1910 ودرّس الاقتصاد أكثر من 15 عاماً ثم اتجهت بوصلة اهتمامه إلى تدريس «علم الاجتماع» بعد أن كان (لهربرت سبنسر) التأثير المهمين على فكر وليام سمنر, وفي عام 1876 بدأ في تدريس علم الاجتماع في جامعة ييل وقد اتخذ كتاب العالم الإنجليزي الأب الرابع لعلم الاجتماع هربرت سبنسر (علم الاجتماع 1873) كمرجع أساسي للطلاب رغم معارضة رئيس جامعة ييل نوح بورتر بسبب معارضته تدريس أفكار النشوء في الجامعة وباعتماده على الحرية الأكاديمية كسب سمنر النزاع وسمح له بالاستمرار في تدريس كتاب علم الاجتماع للمؤلف سبنسر..! اعتبر سمنر أن علم الاجتماع هو دراسة قوانين التطور الاجتماعي على كل من المستويين الوحدات الكبرى والوحدات الصغرى ومن ثم يصبح عمل عالم الاجتماع الرئيسي هو تتبع القوانين التطورية في الظواهر الاجتماعية من أجل أن يضاعف النمو الاجتماعي الرتيب وعند مستوى السلوكيين الاجتماعيين يتضمن هذا تحليلاً للعلاقة بين الدوافع الفردية وبين تطور ونمو نسقه المعياري. والأكيد أن كتابه «أسلوب الجماعة» الذي نشر عام 1906 من أعماله البحثية فقد تناول هذا الكتاب مجالات واسعة واستعراض مواضيع كثيرة من بينها الإجهاض وأكل لحوم البشر وسفاح المحارم والرق وغيرها وبحث الكتاب في أسباب التساهل مع هذه الأفعال وغيرها في بعض الأزمنة والأماكن بينما يتم إدانتها في أخرى. وكعالم اجتماع تضمنت أعماله الرئيسية تطوير مفاهيم الانتشار والعادات الشعبية وكان يتطلع بنظرة كعالم إلى المجتمع كنسق من القوى التي تخضع لقوانين معينة ومهمة عالم الاجتماع هي دراسة هذه القوانين وعلى الإنسان أن يستجيب للقوانين الطبيعية ويطيعها وكان لزااً وواجباً تعلّم هذه القوانين وإطاعتها. كما ترأس جمعية علم الاجتماع الأمريكية بعد مؤسسها العالم ليستر وارد, فألَّف العديد من الكتب وكتب مجموعة من المقالات حول التاريخ الأمريكي والتاريخ الاقتصادي والنظرية السياسية وعلم الاجتماع, وفي عام 1906 أدخل العالم الراحل سمنر مفهوم «التمركز الإنثي» أو «الاستعلاء العرقي» ضمن مؤلفاته السوسيولوجية وهو مصطلح يعني اعتقاد الإنسان بأن أمته أو الجنس الذي ينتمي إليه الأحسن والأكثر اتساقاً مع الطبيعة ويشير إلى الاعتقاد بأن جماعة الفرد هي مرجع هذا الحكم إيماناً بالقيمة الفريدة والصواب التام للجماعة التي ينتمي إليها والترفع عن الجماعات الأخرى إلى حد اعتبارها نوعاً من غير نوع جماعته..! ولا شك أن هذا التمركز الإنثي- وبحسب بعض علماء الاجتماع المعاصرين- يعد عاملاً في نشأة الصراعات العرقية والتعصبية والتي قد تصل كثيراً إلى حد المذابح والإبادة والتمرد والإرهاب والحروب..! كما يعد من أشهر مؤلفاته كتاب «العادات الشعبية» الذي صدر عام 1906 دون فيه من آراء إلى علم اجتماع التاسع عشر لأنه يستند إلى محاضرات ألقيت على مدى سنوات طويلة سابقة.
كان العالم سمنر من المتابعين للعادات والتقاليد والأعراف والنظم الاجتماعية وهذه كلها تتطور بشكل طبيعي من خلال «نظرية التطور». كما استخدم مفاهيم مثل التجريبية والتجريبية الاستقرائية واتجاهات التفوق فيما يتعلق بالفرد ومقارنته مع الآخرون, وكان يرى أن النظام الاجتماعي يتكون من أفكار ومن الممكن أن تكون الفكرة عبارة عن رأي أو مبدأ أو اهتمام وبناء الأفكار هو الأساس الذي يستند البناء الاجتماعي إليه ويستخدم الأفراد الحقائق والأفعال بحيث تخدم المصلحة العامة للإنسان, ومن وجهة نظره يرى أن النظم الاجتماعية تتكون في البداية, فتتحول إلى عادات ثم تتحول إلى قيم أخلاقية واجتماعية. كما يعد العالم سمنر أول من صاغ «مصطلح العرف «في اللغة الإنجليزية وذلك في كتابه «طرق التفكير الشعبي», وقد أشار أن العرف قد يختلف من مجتمع إلى آخر.
توفي العالم الأمريكي الشهير (وليا م سمنر) عام 1910 في مستشفى إيغلوود في ولاية نيوجيرسي بعد تدهور حالته الصحية عقب تقاعده من العمل الأكاديمي عام 1909 وقد ترك بعد رحيله مؤلفات مهمة ودراسات رصينة في تراث علم الاجتماع الأصيل.. تملا الآفاق الاجتماعية والثقافية المتخصصة في الجامعات الأمريكية.. وتثري الباحثين والدراسين في علم الاجتماع وميادينه الحيوية.