د.شريف بن محمد الأتربي
تظل المعرفة الشغل الشاغل للبشرية منذ الخليقة، فكل من يملك المعرفة هو من يستطيع القيادة والتأثير على محيطه الداخلي والخارجي أيضاً، وقد تباينت النظرة نحو المعرفة حتى كادت تكون هي العلم أو التاريخ في تفسير الكثيرين لها وهذا التفسير يفتقد إلى الدقة، فالمعرفة تعني العلم بالشيء، وتتميز بأنها أشمل من العلم حيث تشتمل على مختلف العلوم والمجالات والمعلومات التي توصل إليها الأفراد على مر التاريخ.
والمعرفة تقوم على الأدلة والبراهين والتصورات التي يكونها الفرد من تكرار محاولته فهم شيء ما، وتتضمن المعرفة والفهم والإتقان، وهي أوسع حدوداً ومدلولاً وأكثر شمولاً وامتداداً من العلم، والمعرفة في شمولها قد تتضمن معارف علمية وغير علمية، وتقوم التفرقة بين النوعين على أساس قواعد المنهج العلمي وأساليب التفكير التي تتبع في تحصيل المعارف. فإذا اتبع الباحث قواعد المنهج العلمي في التعرف على الأشياء والكشف عن الظواهر فإن المعرفة الحاصلة هي معرفة علمية.
أما التاريخ المتشابه الثاني لتفسير المعرفة، فهو الآخر يعاني من عدم وجود تفسير محدد له ناحية فالمؤرخون لم يتفقوا على تعريف محدد لمصطلح التاريخ، ويرجع المؤرخ المصري قاسم عبده قاسم ذلك إلى أن التاريخ علم متنوع المشارب ومعقد ومركب شأنه في ذلك شأن البشر الذين يهتم بتسجيل أفعالهم.
رغم ذلك يعرّف قاسم عبده التاريخ بكونه «طريقة ينظر بها الإنسان إلى التجربة الإنسانية، ووسيلة يتوسل بها لفهم هذه التجربة التي يراها كل مجتمع وفقاً لمنظوره الخاص». ووفقاً لهذا التعريف لا يعد التاريخ علماً موضوعياً كما هو الحال مع العلوم الطبيعية، بل هو علم يتسم بالذاتية والنسبية لأنه طريقة للنظر إلى الحوادث وتفسيرها، كما يتصف بالخصوصية، فكل أمة لها تاريخ يميزها ولها تجربتها الفريدة عن غيرها من تجارب البشر.
وتعد إدارة المعرفة واحدة من أهم العمليات التي تتم داخل المنظمات حيث تسهم في تحسين وتطوير الأداء، ورفع مستوى جودة العمل الذي يقدمه منسوبو هذه المنظمة، وقد ساهم عدد من المختصين في «علم الإدارة» في نشأة مفهوم «إدارة المعرفة» ومن بينهم على وجه الخصوص (بيتر دراكر Drucker، ودون مارشارند Don Marchand). فقد أكد (دراكر) على الأهمية المتزايدة للمعلومة والمعرفة الصريحة كموارد تنظيمية في المنظمة، وتعود بداية ظهور مفهوم «إدارة المعرفة» إلى مارشان في بداية الثمانينيات من القرن الماضي باعتبارها «المرحلة النهائية من الفرضيات المتعلقة بتطور نظم المعلومات». كما تنبأ (دراكر) بأن العمل النموذجي سيكون قائماً على المعرفة وبأن المنظمات ستتكون من صناع المعرفة الذين يوجهون أداءهم من خلال التغذية العكسية لزملائهم وللزبائن.
ويعول الكثير من المختصين على وحدة أو إدارة إدارة المعرفة بالمنظمات في تحسين جودة العمل داخل المنظمة، فهم يرون أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين إدارة المعرفة والعديد من الأنشطة التي تتم داخل المنظمة لعل من أبرزها اتخاذ القرار. تساهم إدارة المعرفة بالمنظمة في تسهيل عملية اتخاذ القرار من خلال البيانات التي توفر للإدارة قدراً كبيراً من المعلومات التي تُمكّن المنظمة من اتخاذ القرارات الصحيحة في الوقت الصحيح، حيث سيكون منسوبو المنظمة قادرين على اتخاذ القرار بسرعة كبيرة، وجودة عالية وذلك من خلال قدرتهم على الوصول إلى المعرفة والمعلومات حين حاجتهم إليها والقدرة على تبادل الآراء.
ويعد بناء بيئة تعليمية في المنظمة واحداً من أهم أدوار وحدة أو إدارة المعرفة بالمنظمات، فالمعرفة أصبحت تحتل أهمية وقوة في الاقتصاد الرقمي والمعرفي وقد ظهر نتيجة لذلك مصطلح الاقتصاد المعرفي، وهو يشير إلى الاقتصاد المُعتمِد على صناعة وتداول وتقييم المعرفة؛ حيثُ تقلّ فيه الأهميّة المترتبة على تكاليف العمالة، كما لا يستخدم المفاهيم التقليديّة للاقتصاد، مثل النُدرة في الموارد. وهو نوع من أنواع الاقتصاد الذي يعتمد نموّه على نوعيّة وكميّة المعلومات المتاحة، والقدرة على الوصول إليها. ونتيجة لذلك تتوجه المنظمات إلى بناء مجتمع تنتشر فيه ثقافة التعلّم وإنتاج المعرفة وتقاسمها بهدف تحقيق المنفعة، وخلق بيئة تشجع منسوبيها على التعلّم وتدفق المعلومات والمعرفة، كما تُعتبر البيانات المادة الخام للمعلومات؛ حيث يتم تحويلها من قِبَل المنظمات والأفراد إلى معلومات، والتي تتحول بدورها إلى المعرفة عن طريق نقلها وتعزيزها وإثرائها من خلال توفير بيئة تدعم هذا التعلم وتستغل الأفكار وتقوم بتحويلها إلى اختراعات وابتكارات، وتنشر نتائج هذه الابتكارات في المنظمة ليتعلم منها الآخرون.
وأخيراً؛ فإن إدارة المعرفة تشجّع على تغيير الثقافة وتحفيز الابتكار من خلال دعم حرية الفكر، كما أنها تساهم في مساعدة المدراء على تبني نهج التغيير ودعم الأفكار الذي ينتج عنه ما يسمى بالابتكار، وهو وسيلة لإيجاد حلول جديدة للتحديات التي تواجهها المنظمات. وفي ظل الاقتصاد الحالي لا يُمكن للمنظمة أن تنجح من غير تبني ثقافة الابتكار والإيمان بها، ومن خلال ترويجها ودعمها للأفكار الجديدة ومُكافأة منسوبيها بناءً على ذلك.
إن بناء إدارة للمعرفة في المنظمات ليس الهدف الأساسي لوجود مثل هذه الإدارات؛ لكن الهدف الأساسي من وجهة نظري هو العمل على تحويل هذه إلى الإدارات إلى إدارات منتجة للمعرفة، وخلال حضوري لملتقى المسؤولية المجتمعية برعاية معالي وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية المهندس أحمد بن سليمان الراجحي تداولت العديد من الهيئات والمنظمات والمؤسسات تجربتها في مجال المسؤولية الاجتماعية والذي بدوره يمثل نموذجاً أو دليلاً لباقي المنظمات الراغبة في الانطلاق نحو لعب دورٍ أساسي في هذا المجال.
إن تحويل المنظمات من مستهلكة للمعرفة إلى منتجة لها يحتاج إلى وضع ميثاق أو دليل من قبل المتخصصين في مجال إدارة المعرفة بالتعاون مع المنظمات والجهات المعنية بحيث تكون هذه المعرفة متداولة ومتاحة للنشر بما لا يخل بمبدأ سرية العمل لهذه المنظمات، وأعتقد أن المتخصصين في مجال المكتبات والمعلومات هم أقدر الناس على بناء هذا الميثاق وتعميمه على المنظمات، وتوفير نموذج عمل معرفي وتقني لتبادل هذه المعرفة.