د. عبدالحق عزوزي
يعرف تطبيق «تيك توك» رواجاً كبيراً لدى الشباب خصوصاً بفضل تسجيلات الفيديو الطريفة التي تبث عبره وتتمحور بشكل كبير على الرقص والموسيقى... وقد أعلنت المنصة مؤخراً عن إطلاق نسخة تجريبية من «برنامج الإبداع» وهو صندوق مبتكر من أجل تحقيق إيرادات أعلى وفرص أكبر للمبدعين عبر المنصة؛ وسيمنح البرنامج المبدعين وصولًا إلى لوحة معلومات محدثة، مع مزيد من الأفكار حول الإيرادات المقدرة ومقاييس وتحليلات أداء الفيديو.
ولكن هل استعمال منصة «تيك توك» سالم من الناحية الأمنية؟ نتذكر في هذا الصدد تصريح الرئيس الأمريكي السابق ترامب عندما أعلن فيه على متن طائرته الرئاسية أنه سيحظر استخدام تطبيق «تيك توك» في الولايات المتحدة حيث تشتبه السلطات في إمكان حصول عمليات تجسس عبره لحساب الاستخبارات الصينية... هاته التصريحات الرئاسية الأمريكية السابقة، تبعه هاته الأيام بيان من المفوضية الأوروبية يمنع فيه تطبيق تيك توك على هواتف موظفيها وذلك لأسباب متعلقة بالأمن المعلوماتي، وهذا ما يشير طبعا إلى المخاوف بشأن التطبيق الصيني الذي يتيح مشاركة مقاطع الفيديو القصيرة والتعامل مع بيانات مستخدميه؛ وأكدت المفوضية الأوروبية في البيان أن القرار سينطبق على الهواتف والأجهزة الشخصية والخاصة بالعمل؛ وأضافت أن «هذا الإجراء يهدف إلى حماية المفوضية من التهديدات المرتبطة بالأمن المعلوماتي والإجراءات التي قد يتم استغلالها في الهجمات الإلكترونية ضد البيئة المؤسسية للمفوضية».
هذا القرار المفاجئ قد يكون نتيجة تحقيقات أو حوادث وقعت بالفعل ولكن لم يفصح عنها، ولهذا السبب في نظري بقي مفوض شؤون الصناعة في الاتحاد الأوروبي السيد تيري بريتون، مبهما في خرجاته الإعلامية، إذ لم يفصح عما إذا كانت المفوضية قد تعرضت لأي حوادث تتعلق بتيك توك.
زد على ذلك أنه بذريعة حماية البيانات، حظرت الحكومة الكندية منذ أيام تطبيق تيك توك على جميع هواتفها وأجهزتها، وقالت إن كبير مسؤولي الاتصالات في كندا «خلص إلى أن التطبيق ينطوي على مستوى غير مقبول من المخاطر التي تهدد الخصوصية والأمن». وحذرت الحكومة من أن «أساليب جمع البيانات في تيك توك تتيح الوصول بشكل واسع إلى محتويات الهاتف»؛ وقد تدهورت العلاقات بين الصين وكندا بشكل حاد في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد توقيف أوتاوا -بناء على طلب القضاء الأمريكي- مسؤولة كبيرة في شركة هواوي في عام 2018، وردت الصين على الخطوة بتوقيف مواطنيْن كنديين؛ وفي الأسبوع الماضي، فتح مفوض الخصوصية الكندي تحقيقاً يستهدف تطبيق تيك توك على خلفية جمع واستخدام المعلومات الشخصية للمستخدمين... كما أمهل البيت الأبيض هذا الأسبوع الهيئات الحكومية ثلاثين يوما للتأكد من عدم وجود تطبيق تيك توك على أي من أجهزة الحكومة الاتحادية؛ وقال شالاندا يونغ مدير مكتب الإدارة والميزانية للجهات الحكومية في مذكرة توجيهية، إنه سيُطلب منها تعديل عقود تكنولوجيا المعلومات للتأكد من أن المتعاقدين يحمون بيانات الولايات المتحدة، من خلال وقف استخدام تيك توك على الأجهزة والأنظمة المستخدمة في إطار عملهم.
وإذا ثبتت صحة كل هاته المخاوف في حق تطبيق «تيك توك» فإن ذلك يدخل في إطار المحددات الحالية لنوعية التجسس والحروب التي بدأت تتغير جذريا عما ألفناه وعما نظر له كبار الاستراتيجيين التقليديين للحروب كالصيني القديم صن تزو أو الجنرال البروسي كارل فون كلاوزفيتز الذي يشبه الحرب بمبارزة على أوسع نطاق ويقارنها بصراع بين اثنين من المتبارزين ليستنتج من خلال ذلك أن «الحرب هو عمل من أعمال العنف تستهدف إكراه الخصم على فرض إرادة معينة» فالعنف هو الوسيلة، أما الغاية فهي فرض الإرادة على الخصم... أما اليوم، فمن شأن عمليات التجسس الإلكترونية أو الهجمات الإلكترونية، أن تتعدى ويلات ما ألفناه في السابق؛ ويمكنها أن تسبب في وقوع ضحايا وخسائر جسيمة جسدت في الجزء الرابع من سلسلة أفلام داي هارد Die Hard 4 أو كما عُرف في شمال أمريكا Live free or Die Hard حيث نرى الشرطي جون ماكلين (بروس ويليس) في حرب مع نوع جديد من الهجوم الإلكتروني الذي يبدأ بتعطيل إشارات المرور مما يسبب زحمة خانقة قبل مهاجمة شبكة الأنظمة التي تتحكم في البنى التحتية لأمريكا، ليضع الهجوم البلاد ومن ثم العالم في حالة شلل تام...