رمضان جريدي العنزي
كنا سبعة، انجررنا وراء الربيع، وانحدرنا في فراديسه المزدانة بالعشب والنوار والخزامى والأقحوان والشيح والقيصوم، همنا في أوديته، والسفوح والسهول، وتفيأنا ظله، وانهمرنا نحث الخطى نبحث عن كمأه، ماء غديره مثل التماع السيوف في وقت الظهيرة، صوت طيوره مثل قصيدة شاعر، يا لجمال الربيع، مزدانة أرضه بلون البنفسج، وصفار ورده، به كأننا عشاق، نردد مواويل الضنا، نحدق في صباحه الأنيق، ونجوم ليله، ونفرح كبرعم الزهر حين يتفتح، مثل حنين ربابة، أو صوت هجيني، ثمة غيوم بيضاء لا تشبه الغيوم، خفيفة رشيقة تلك الغيوم، كأنها وجد قصيدة، أو مثل ضحكة طفلها في الحقول الأنيسة، ستة وأنا سابعهم كأننا نوارس، قمر الليل، رائحة العشب، لون الورد، قصائد جميلة نهديها لأصحاب الغياب الطويل، نطوف على الأرض، لنبعد عن الأرواح مسامير السنين الطويلة، أحب الربيع وأكتب فيه أحلى المفردات الأنيقة، في الربيع أصير مغايراً، مثل فراشة في حقول الريحان والياسمين، أو مثل شجرة تفاح ظلها فائض، أو عريشة عنب، أو لوحة في متحف عتيق، أصبح فيه أخف من النسيم حين يهب النسيم، وأعذب من صوت في محارة، ما ننام الضحى، ونقوم مبكرين نبحث عن عشبة يانعة، نسارع الخطى، ونلوح للطيور الجميلة، ونشم الزهور الصغيرة في ثنايا الأرض الندية، ونمشي على أديمها الخلاب، نعد فطورنا ونثرثر مع بعضنا عن ماضيات السنين، ونفكر في أشياء لن تعود، ونشرب قهوتنا، وشاينا المخدر، من على جمر الغضا، في الموقد الحديد، تجيئنا صور شتى، كأنها لوحة مثبتة في عمق جدار، في مكاننا البعيد البارد، نعتني بتفاصيل الرحلة، وتفاصيل الأنس، وبقصصنا وأشعار ونكاتنا البريئة، أربعة أيام ونحن نحاول أن نلملم حكايتنا مع الربيع، بالنثر والشعر والكلام المنمق، لنغسل عن أحداقنا رمد السنين، ونشعل في قلوبنا قناديل التوهج.