مها محمد الشريف
انسحاب روسيا من اتفاقية نيو ستارت أو تعليقها مسألة أثارت قلق العالم، فواشنطن تطالب موسكو بالعودة وتعنت روسيا جسد كثيراً مما يخشاه الغرب، واعتبروا هذا الانسحاب فقداناً تدريجياً للجهود السابقة التي تنطوي عليها اتفاقية (نيو ستارت) بعد أن وضعت حداً أقصى للرؤوس النووية الموجهة لدى روسيا وأمريكا، وقد حددته الاتفاقية بـ 1550 رأساً نووياً لكليهما، وتبادل المعلومات بخصوص أسلحتهما النووية البعيدة المدى.
ويعني ذلك، بصورة ملموسة أن هذا الانسحاب نتيجة انهيار تراكمي للعلاقات بين روسيا والغرب في المناخ السياسي الجديد، فقد أصبحت الأمور أكثر تعقيداً، وتمثِّل جانباً من جوانب استغلال الأزمة السياسية للانتقال في دفع المطالب إلى أقصى الحدود، فمهما كانت فوائد هذه الاتفاقية ومراقبة تسلح الدولتين العظميين والتأكد من سلامته وعدم وقوع خطأ تقني أو بشري يمكن أن يؤدي إلى كارثة نووية عالمية، بما أن هناك قدراً هائلاً من الصراعات التي تغيرت على أثرها الاتفاقيات والشروط بين أمريكا وروسيا.
علاوة على ذلك، اتخذت الدولتان سبيلاً محدداً لبلوغ هذا الهدف، وذلك عبر قيام لجان مشتركة من خبراء التسلح النووي من البلدين، بتفتيش القواعد العسكرية في كلا البلدين بما لا يقل عن 18 مرة في العام للاطلاع عن كثب على حجم التسلح وعدد قواعد إطلاق الرؤوس النووية وتوفر الأمان المطلوب الذي يمنع وقوع حوادث نووية، كالذي حصل في مفاعل تشرنوبل، الواقع قرب مدينة بريبيات الأوكرانية عام 1986 .
إلى أين تمضي روسيا في ظل بوتين؟ وكل الدلائل تتفق على أن موسكو لن تتخلى عن مواقعها دون قتال، ومن الجلي إذاً استمرار الحرب التي ستشكّل ازدياداً في كافة الضغوط المتناقضة، وهذا الانسحاب أتاح لمسؤولين غربيين انتقادات روسيا لتعليقها المشاركة في آخر معاهدة متبقية بين البلدين للسيطرة على الأسلحة النووية، وقالت مسؤولة في البيت الأبيض إن واشنطن ستحاول العمل مع موسكو لاستمرار تطبيقها.
بعد أن أعلن الرئيس الروسي الأسبوع الماضي تعليق بلاده المشاركة في معاهدة «نيو ستارت» التي تلزم البلدين بالاتصال المستمر بشأن حالة ترسانتيهما النووية والسماح بعمليات تفتيش دورية لمواقع الأسلحة والالتزام بالقيود على عدد الرؤوس الحربية المنشورة وغير المنشورة على الجانبين.
فجاءت تقديرات العالم بانهيار نظم الحوار، كما رأينا، فكيف يجعل أهداف الرقابة إبقاء التسلح النووي في البلدين كحد أدنى، وعدم اللجوء إلى زيادة الترسانة النووية، ولكن بطبيعة الحال، تبدو الأمور مؤرقة ومحيرة ومضللة فروسيا وقعت على معاهدة ممتدة إلى 2026، وبوتين يرفض تفتيش مواقع بلاده النووية من واشنطن وحلفاء الناتو، فهل يعني الانسحاب من الاتفاقية عودة إلى سباق التسلح بين الدول الخمس التي تمتلك السلاح النووي رسمياً في مسار التطورات الجارية؟