رضا إبراهيم
تجدر الإشارة إلى أن العوامل السيكولوجية والسلوكية المعرفية، تُعد واحدة ومتماثلة في كل أنواع الإدمان على الرغم من اختلاف أنواعه وأشكاله، سواءً كان إدماناً تقليدياً أو دون ذلك من المظاهر المتعدِّدة للإدمان، ومنها على سبيل المثال مدمن الأكل وهو «ملتهم الطعام بشراسة»، وهناك أيضاً مدمن القمار وهو الذي يراهن مرة على «حصان» ما في السباق، أو يراهن على «الأسهم أو السندات أو السلع»، وهناك مدمن «التسوّق» الذي لا يترك متجراً ما أو سوقاً من الأسواق دون أن يقوم بشراء شيء منه، حتى لو كان ذلك الشيء غير ضروري.
وهناك المدمن الرقمي، وهو نوع من الإدمان، يحدث عندما تضر التكنولوجيا بحياة المستخدم ويصعب إيقافها على الرغم من آثارها الضارة، ويشير علم الأعصاب حالياً إلى أن رد فعل الدماغ على الإدمان الرقمي، يشبه جزئياً رد الفعل تجاه إدمان الكحول والإباحية.
ولقد جرى تعريف الصوت، على أنه ذلك المؤثر الخارجي علي الأذن، ما يسبب الإحساس بالسمع عن طريق انتشار موجات الصوت في الفضاء، ولا يُعد كل صوت ضجيجاً، كما تتمثَّل أهم خصائص الصوت في شدته ودرجته ونوعيته، وعن الخاصية الأولى وهي شدة الصوت فهي التي تُمكن الأذن من التمييز بين صوت قوي وآخر ضعيف، كما أنها تعتمد على مساحة الجسم المهتز وعلى المسافة التي تفصل بينه وبين الأذن، وهي تقاس بوحدة تسمى «ديسيبل»، وعن الخاصية الثانية وهي درجة الصوت، فهي التي تميز بين كل من الصوت الحاد والغليظ، ولها علاقة بتردد الجسم المهتز.
وعن الخاصية الأخيرة وهي نوعية الصوت، فهي تعني ذلك الاختلاف في نغمة الصوت حالة تساوي شدته ودرجته، حيث إنها تتمكن من تمييز صوت الرجل عن المرأة، أو صوت الطفل عن البالغ، ومن العجيب أن الضجيج كان في القرن الثالث عشر الميلادي وسيلة مثلي من وسائل التعذيب، ففي الصين كان هناك قائد شرطة يدعى (مبخ تي) يقوم بإحداث الضجة والأصوات الصاخبة، عن طريق الأجراس لتعذيب خصومه ومعارضي النظام.
ويعتقد بعض علماء النفس، أن الإدمان على الأجهزة والوسائط الإلكترونية، يجب أن يتم تصنيفه على نحو مشابه لاضطرابات تعاطي المخدرات، وأوضحت الدراسات وجود علاقة قوية بين استخدام الوسائط الرقمية عالية التردد، وبين اضطرابات الصحة العقلية مثل القلق والاكتئاب.
وقد استمد عالم النفس الأمريكي ألبرت أليس (1913 - 2007م) مطور نظرية العلاج العقلاني الانفعالي السلوكي نظريته من الأفكار الفلسفية اليونانية، التي تؤكد على أن الحوادث الخارجية هي التي «تزعجنا وتكدرنا، ولكن تأويلاتنا ومعتقداتنا إزاء تلك الحوادث، هي المسببة للكدر والقلق والغم»، أي بتعبير آخر أن العنصر المعرفي الإدراكي والتفكير هو العامل الوسيط في ترجمة الحوادث الخارجية وإظهار ردود العقل الانفعالي.
وعليه فإن الاضطراب النفسي وفقاً لتلك المقولة، تسببه تأويلاتنا للمنبهات الداخلية الصادرة عن نفوسنا أو عن المحيط الخارجي، أي أن الاضطراب يتم التعبير عنه بالعديد من الوسائل المختلفة، فنرى أناساً يصابون بالاكتئاب، ونرى آخرون يصابون بالقلق والنقص والصغارة، ومنهم من يقدم على الإدمان، ومنهم من يصاب بالقرحة أو يقدم على الانتحار ... إلخ.
وتعتبر العوامل البيولوجية هي الأخرى، سبباً من أسباب الإدمان عامةً، إضافة إلى التأثيرات الحضارية والثقافية، فهناك أفراداً ونتيجة لتركيبتهم البيولوجية يكونوا دون غيرهم أكثر ميلاً إلى النزوع نحو التفكير اللا عقلاني، ولديهم مدخلاً منخفضاً في تحمل نوبات القلق والاكتئاب والغضب، ولا ريب في أن هؤلاء الأفراد لديهم ميول أكثر من غيرهم نحو سرعة الغضب، وقلة السيطرة على نوازعهم.
والملاحظ أن شباب ومراهقي القرن الحادي والعشرين، لديهم إمكانية التمتع بالوصول غير العادي إلى التقنيات الرقمية والإعلامية، ما يعني أن مجموعة الأجهزة الرقمية والأنشطة الإعلامية التي يمكن للأطفال الوصول إليها، في حالة من التزايد المستمر، وبسبب الثورة في الرقمنة أكد الخبراء والباحثون على أن الشباب والمراهقون والأطفال الحاليين، هم فئة كبيرة تنتمي إلى جيل رقمي متعدد الأوجه، مع بيئات رقمية جديدة لهم، تتعارض دوماً مع الأهداف المرجوة من التنشئة.
ونظراً لتعدد وسائل الإدمان وتغير أشكالها في الآونة الأخيرة، لم تعد المخدرات التقليدية هي الملجأ الوحيد بالنسبة للمدنيين، ولكنهم قاموا بتحويل كثير من الوسائل التي حولهم، إلى ما يشبع أهواءهم ورغباتهم الإدمانية، ومنها على سبيل المثال «النغمات أو الموسيقى الرقمية»، التي تعرف بأنها مقاطع ونغمات تُسمع عبر سماعات توضع على الأذن، ومن خلالها وعلى سبيل المثال تبث ترددات معينة في الأذن اليمنى من ناحية، وترددات أخرى أقل في الأذن اليسرى، يتبعه قيام الدماغ بدمج كلتا الإشارتين معاً، ما ينتج عنه إحساساً بنغمة أو صوت ثالث مختلف عن كليهما.
وهي تارةً تُسمى موسيقى رقمية، وتارةً أخرى تُسمى مخدرات رقمية، وأياً كانت تسميتها إلا أن نتاجها ثبت أنها واحدة، وهو الإدمان والتأثير السلبي على ذبابات الدماغ الطبيعية، حيث يقوم المستمع لها بالارتخاء في غرفة ما أنوارها خافتة أو مطفأة، ثم يقوم بوضع السماعات على أذنيه وهو مغمض العينين، وعبر النغمة المنبثة من خلال السماعات بدرجتين مختلفتين من الترددات، ومع تحديد الجرعات عبر تلك الترددات، ومن خلال الفوارق في الترددات، تتشكَّل أحجام درجات الإدمان, فكلما كان الفارق بين الترددات أكبر، كانت الجرعات أكبر.
وعلى الرغم من أن كافة التقارير الواردة حتى الآن لم تسجّل أي حالة وفاة تذكر، لكن الثابت بالفعل والذي لا يوجد أدنى خلاف عليه، هو أن النغمات الرقمية «المخدرات الرقمية» عبارة موجات متناغمة بطبقات مختلفة، تؤثِّر على الخلايا العصبية، ولها نفس تأثير المخدرات المعروفة، إن لم تكن أكثر منها فتكاً، ويصفها البعض بأنها موسيقى تشبه «حبوب الهلوسة» المخدرة للعقول.
وتلك الأنواع من النغمات، عبارة عن إدمان نفسي في الأساس، وليس إدماناً تقليدياً، كونه غير معروف أو مصنف عالمياً، ولا تعدو أن تكون أكثر من أصوات ثابتة صاخبة ومزعجة جداً، تشبه إلى حد كبير أصوات الآلات والمعدات الصناعية الثقيلة، وهي مكونة من موجات صوتية مسموعة وأخرى غير مسموعة، تكون نتيجتها هلاكاً مؤكداً للخلايا العصبية والدماغية، وبحسب من ذكره الخبراء والمختصون، فإن الاستماع لها يسبب الإدمان، بجانب الخشية من أن تلك الأصوات الرقمية، يمكنها أن تصل بالشباب والمراهقين إلى غياهب الإدمان على المخدرات.
وفيما يخص نفس الأمر يضيف الدكتور «على الحميدان» الخبير الدولي في مجال المخدرات وهو ينتسب إلى دولة الكويت، إلى أنه في كثير من الأحيان يتعمد المدمن المصاب بحالة من الهوس والشرود الذهني، إلى اللجوء للنغمات الموسيقية الرقمية، عقب شعوره بأن المخدر التقليدي المدام على تعاطيه غير كاف له، ما يدفعه إلى اللجوء لذلك الصخب والموسيقي ذات الصوت العالي، حتى يطفئ حالة اللا وعي أو الفوضى العبثية لذلك الصخب.
لذلك من الضروري حظر المواقع التي تروّج لها، حيث إنها في الغالب مواقع أكثر خصوبة وإنتاجاً ووسيلة لنشر وترويج المخدرات والمؤثّرات العقلية، وهي من الوسائل المبتكرة لتوزيع المخدرات عبر الوسائط المتعددة للشبكة الدولية، كما أن تلك الموسيقى مصممة بهدف التأثير على تغيير أنماط موجات الدماغ باعتبارها (مواد مبدلة للأمزجة)، حيث إن للدماغ طاقة كهربائية تعمل على تغيير حالة التيقظ عند الفرد، بنفس طريقة عمل المخدرات التي يتناولها الفرد.
وهناك مقاهي إنترنت عشوائية، دوماً ما يقبل عليها الأطفال والمراهقون من أجل تمضية أوقات للتسلية دون علم الأهل أو بعد الإلحاح عليهم بالذهاب إليها، ولكن الأهل سواءً سمحوا لهم بالذهاب إلى تلك المقاهي أو تم ذلك من وراء ظهورهم، فإن المتفق عليه هو عدم إدراك الأهل أو أولي الأمر أن فلذات أكبادهم، ربما يقعون في هوة سحيقة المخدرات الرقمية، كما يجب أن يتيقظ الأهل إلى تصرفات الأبناء عندما يفرطون في الحماس وينغمسون في تجربة كل جديد، وظاهرة المخدر الرقمي يتعرض لها معظم الأطفال والمراهقين عبر الإنترنت بمعظم منصات «السوشيال ميديا» وذلك عبر ملفات صوتية وموسيقية «ملغومة» بمحتويات خطيرة، لها تأثيرات كبيرة على الأدمغة، ويمكنها السيطرة على الحواس.
كما أنها تؤدي إلى اختلال التركيز وتشويش الذهن، الأمر الذي يترتب عليه مشكلات اجتماعية سيئة، تلقي بظلالها على مستوى تعامله مع محيطه الأسري وقصوره في التحصيل الدراسي، إضافة إلى اضطرابات جسمانية، تؤثّر على الصحة العصبية والسلامة النفسية، وقد يأخذ الشخص المتعرض لذلك النوع من المخدرات الموسيقية منحى الانعزال، لتسبب له القيام بحركات لا إرادية متكررة.