سمر المقرن
على سبيل المديح، نقول: إن فلاناً لم يتغيّر! وقد تحمل هذه الجملة جوانب إيجابية وتحتمل كذلك جوانب سلبية، لأنه من المهم، بل و»الضروري» أن يتغيَّر الإنسان للأفضل، وألا يبقى كما هو على حاله!
للعمر مراحل، وتجارب، وأحداث سعيدة وأحداث مؤلمة تحدث لجميع الناس بلا استثناء، هذا كلّه كفيل بتشكيل الروح الإنسانية وتطويرها وإعادة تشكيلها، فهذه الروح هي من روح الله -سبحانه وتعالى- وهي مركز التطوير الروحاني والإنساني لكل إنسان، وعدم تغيره أو تطور روحه يعني أنه لم يهتم بتجميل روحه ولم يسع للرقي بها عن سفاسف الأمور، ولم يعمل على تجميل هذه الروح، لذا لم يتغيَّر وبقي حاله على ما هو عليه، خصوصاً لو كانت روحه عالقة بالذم والنميمة والكراهية والحقد والغيرة السلبية، فسوف تظل روحه عالقة ولن يتعامل مع الحياة بالطريقة الصحيحة، ولن يكون بمنأى عن الهشاشة والضعف في مقابلة أحداث الحياة، وسوف يظل ناقماً على كل شيء لن يرى سوى الجزء الفارغ من الكأس!
أحمد الله، أن السنوات التي قضيتها في العمل على «روحي» بالارتقاء قد وصلت إلى مرحلة الرضا والتصالح مع الذات، وأن الارتقاء الروحي الذي أستمتع فيه في حياتي قد أثمر بعلاقة متينة مع الله -سبحانه وتعالى- وأكثر عمقاً من كل السطحيات. سألتني ذات مرّة شخصية قريبة مني: ما الذي تغيَّر في حياتك بعد الارتقاء الروحي؟ قلت: صرت استمتع بالعبادات وبالقرب من الله عزَّ وجلَّ، وقد ساعدني هذا في أن أواجه أصعب حدث مؤلم في حياتي وهو فقد ابني وضناي «فواز الجهني» -رحمه الله- بحادث سير وبشكل مفاجئ ومرعب، لأنني نظرت إلى الجانب الإيجابي من هذا الألم، ألا وهو اختيار رب العالمين لابني في عزِّ شبابه لأنه أراد لي وله الخير والعلو في الدرجات، مما جعلني على ثقة بربي أن جزاء صبري وإيماني به واحتسابي الأجر سوف يفتح لي أبواب جنته ويستقبلني حبيبي «فواز».. هذا المشهد في كل مرة أتألم يدور في ذهني كشريط سينمائي ليداوي الألم!
بلا شك، لن يصل إلى هذه المرحلة أي إنسان علاقته بالله -عزَّ وجلَّ- سطحية ويعتقد أن العلاقة لا تعدو عن كونها شكليات كأداء الصلاة من باب الواجب دون الشعور بالتواصل مع الله، أو الاعتقاد بأن الجنة لا تدخلها إلا امرأة مرتدية الحجاب!
العلاقة بالله والوصول إلى الارتقاء الروحي عالم لذيذ وممتع، بعيد عن مدارك من يظن أن الله ينظر إلى أشكالنا دون دواخلنا وأرواحنا؟!
هذه الحالة الجميلة التي تجعل الإنسان سعيداً مهما اعترضت طريقه الأوجاع، أتمنى فعلاً أن تنتشر لدى الناس ليشعروا بجمالهم الداخلي وجمال العلاقة بالله - عزَّ وجلَّ- وتأكدوا أن الشخص الذي يصل إلى مرحلة الارتقاء الروحي مستحيل أن يؤذي، بل إن إحساسه يكون أكثر رهافة ولسانه نظيفاً بعيداً عن الغيبة والنميمة.
خذوها مني: نظفوا أرواحكم واظفروا بسعادة الدارين.