علي الخزيم
قول بليغ للأمير الشاعر خالد الفيصل متغزلاً بنَجْد:
حبيبتي نَجْد عيني فيك معذورة
معشوقة القلب فيها للنظر سحرا
فضّة شعاع القمر في نَجْد مسحورة
من شاف لمعة قمر في خدّةٍ سمرا
ومن فخامة المعنى ما قاله الشاعر السعودي محمد الشدوي:
أتَيتُ مِن نَجد فِي صَدرِي مُغَنِّيَةٌ
تَشدُو وَقَلبُ الهَوَى بِالحُبِّ مُتَّهِمِ
مِنَ الرِّيَاضِ وغَيمِ الأمنِ كَلَّلَهَا
وَوَجهُ سَلمَانَ ضَاهَى بَارِقَ الدِّيَمِ
ومعنى (نَجْد) الأرض المرتفعة، كما أن لها من معاني السمو والرقي حظ وافر ونصيب زاخر، والحديث هنا يقتصر على بضع تلميحات سريعة موجزة حول ما قيل بحب نجد وديارها وأهلها لا سيما المرتبط بالوجدان والوَلَه للأحبة وللأهل والعشيرة وطبيعة المرابع (العذيَّة) وهي التي تنبت وتُزهر بماء الغيث ويطيب هواؤها بكل فصولها؛ لا سبخ فيها ولا وباء، فالشتاء ببرقِه ورعده ومطره الذي يتشوق له أهل نجد لينعش مفاصل حياتهم، والربيع وأزاهيره وأطياره وفَرَاشِه، والصيف بنسماته العليلة الباعثة على استذكار الأحبة والتغني شعراً بأواصر الوَجْد والهُيام؛ يقول الشاعر محي الدين بن عربي الطائي:
أَلا يا نَسيمَ الريحِ بَلِّغ مَها نَجدِ
بِأَنّي عَلى ما تَعلَمونَ مِنَ العَهدِ
عَلى الرَبُوَّةِ الحَمراءِ مِن جانِبِ الضَوى
وَعَن أَيمَنِ الأَفلاجِ وَالعَلَمِ الفَردِ
ولهذه الاعتبارات وغيرها من المعايير الدولية فقد فازت عدد من مدن نجد بمسمى المدن الصحية، فما زالت عالية نجد محط أنظار وقلوب شعراء العرب قديماً وحديثاً لما خبروه من سحر أرضها وسمائها وربيعها الأخَّاذ وهوائها النقي الصافي الصحي.
يقول أبو فراس:
إذا لمْ تشفَ بالغدواتِ نفسي
وَلا هَبّتْ إلى نَجْدٍ رِيَاحي
يُلاحي في الصّبَابَة كُلّ لاحِ
وقدْ هبتْ لنا ريحُ الصباحِ
ولعل من يتأمل كتب التراث والأدب العربي يلمس حقيقة ناصعة مختصرها أن بلاد نجد حاضرة بكل باب وفصل لا سيما كتب الرحلات، يدعم هذا أنها بلاد أنجبت فحول الشعراء وأقوى وأمهر الفرسان الشجعان، وضمَّت أشهر من التهبت أفئدتهم بالحب والعشق العفيف الطاهر فحلَّقوا بميادينه وأبدعوا بمعانيه وصاغوا أعذب القصائد التي خلدها رونقها وبلاغتها إلى عصرنا الحاضر ولتبقى تراثاً أدبياً لقرون لاحقة.
وتجد أن أغلب من هام بنجد شعراً هم من أبنائها أو ممَّن عاشوا بمرابعها وديارها، فألسنتهم لا تنفك عن ذكرها بل وتتلذذ بتكرار مفردتها، ومن ذلكم أن شاعراً قد كررها ست مرات في بيتين اثنين من قصيدة له إذ قال:
سقى الله نجداً والسلام على نجدٍ
ويا حبذا نجداً على النأي والبعد
نظرت إلى نجدٍ وبغداد دونها
لعلي أرى نجداً وهيهات من نجد
والشاعر الصِّمَّة القُشَيري قد حنَّ يوماً إلى نجد ومحبوبته فقال:
قِفا ودِّعا نجداً ومن حلَّ بالحمَى
وقلَّ لنجدٍ عندنا أن يُودَّعا
بكتْ عينيَ اليُسرَى فلمَّا زجرتُها
عن الجهلِ بعد الحلْمِ أسبَلَتا معَا
وتظل بلاد نجد ديار الأماجد من ملوك العرب، والأفذاذ من الفرسان والقادة الشجعان، وهي موطن أفصح وأبلغ الشعراء، وهي مُلهمة أشهر العشاق المُتيمين، فأنعم بنجدٍ وساكنيها ومحبيها.