إبراهيم بن سعد الماجد
راحلون.. كلنا راحلون، وكلنا موقنون.. مؤمنون بأن الموت آتٍ على كل نفس، فكل نفس ذائقته، وكل نفس شاربة كأس المنون.
كتبتُ قبل بضع وعشرين سنة مقالة عن ثلاثة رحلوا في أيام متقاربة، شاب صغير، ومسؤول كبير، وثري ذو نعمة، وكلهم رحلوا فلا الشباب منع، ولا الوجاهة حالت، ولا الغنى دفع!
قبل أيام ودعنا ابن زميلنا وحبيبنا محمد الرويلي الشاب فيصل، الآتي من بيت الله الحرام بعد أن قام باداء العمرة، تلك السنة المعظمة عند الله، وكأنه كان يريد أن يغتسل من ذنوبه.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةَ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وعن داود بن أبي هند قال: «رأيت في المنام كأن القيامة قد قامت، وكأن الناس يُدعون إلى الحساب» قال: «فقربت إلى الميزان، فوضعت حسناتي في كفة، وسيئاتي في كفة، فرجحت السيئات على الحسنات، فبينا أنا كذلك مغموم، إذ أتيت بشيء كالمنديل، أو كالخرقة البيضاء، فوضعت مع حسناتي، يعني فرجحت، فقيل له: تدري ما هذا؟ قلت: لا، قيل: سقط كان لك.
والسقط الجنين الذي يأتي قبل اكتماله ميتًا.
فسبحان الله العظيم الكريم، الذي جعل هذا - السقط - مثقل للميزان، فكيف بمن بلغ الحلم، وأقبل نفعه!؟
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «والذي نفسي بيده إنّ السقط ليجر أمه بسرره إلى الجنة، إذا احتسبته.
أم أسامة فقدت فلذة كبدها وهو قد بلغ وسامة الشباب، ورجولة الرجال، ونفع الكبار، فلها عظيم الأجر والثواب، أقول ذلك يقينًا بوعد الله الذي كتب للصابرين ذلك فعليهم صلوات الله ورحمته ولهم الهداية من الله.
{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}
وعن أم سلمة، رضي الله عنها، قالت: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أصاب أحدكم مصيبة فليقل: إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ، اللهم عندك أحتسب مصيبتي، فأجرني فيها، وأبدلني خيراً منها». أخرجه أبو داود والنسائي.
وقد وجدت أخي محمد صابراً محتسبا، يطمئنني ويبشرني وينثر البهجة في حديثه، فالله الحمد والشكر أن جعلنا مسلمين مؤمنين.
رفيق الفقيد الابن العزيز أسامة، الذي فقد شقيق روحه، ورفيق دربه، لفيصل عليك الآن حق.. حق الدعاء له، بأن يرفع الله درجاته، فهو في ترقٍ مع دعواتنا له، والله أنه لسعيد فما لهجت السنة خلال الأيام الماضية من أناس كثر عرفوه أو لم يعرفوه إلا بالدعاء لفيصل، فلا يكون للشيطان سبيلاً إليك، فيشغلك بغير ذكر الله والدعاء.
أم أسامة.. لكِ ولأخي محمد باب في الجنة، فلا تغفلوا عنه، إنه باب الحمد، فالحمد لله الذي أعطى، والحمد لله الذي أخذ، فلا راد لقضاء قضاه سبحانه وتعالى، وكل ما قضاه ربنا فهو خير لنا.
الراحل تقدم ونحن من بعده، موقنون بذلك، مأملون في اللقاء الذي لا فراق بعده، فاللهم الفردوس الأعلى من الجنة.