ماذا وكت في قلبي (خمسة عقود) في سيرة شيخنا محمد السعوي - رحمه الله.
كنت تلميذاً في معهدي العلمي في بريدة أحد كبار صروح الشريعة والعربية في الدنيا كلها، صدقني أنني إذا مررت عليه اليوم لا أملأ عيني منه، بل حتى صورة يصعب علي التحديق فيها.
إنه ذكريات العلم الجميلة، إنه رباط المشيخة الكريمة لن أتحدث عن معهد بريدة، فله مننٌ في عنقي كتلميذ تخرّجت منه وكأستاذ أمضيت أجمل أيام الأستاذية فيه، فأنا من هذا المعهد تلميذاً وأستاذاً. قلت لك: لن أتكلم عن هذا المعهد، ولعلي أفعل لكنني كنت في أحد مكاتب بريدة العامرة أبحث عن كتاب فإذا بي أرى كتاباً يحمل اسماً محله في أعماق القلب، إنه شيخي وأستاذي محمد بن علي السعوي -تغمده الله بواسع رحمته-، كنت كثيراً أشعر بتقصيري تجاه شيوخي في المعهد لكن عذري أنها الحياة التي رمت بنا شرقاً وغرباً حتى مات الحي وكبر الشاب وانشغل كل بدنياه، لكن هيهات النسيان، وكيف ينسى من احتضنه المعهد ذلك الحضن الدافئ الجميل. كانت مشيختنا في المعهد من أعلم الناس وأنبلهم، وكان شيخنا محمد السعوي -رحمه الله- أكثر أساتذتنا هيبةً ووقاراً، كانت رؤيته في ممرات المعهد مثل الدرس أو أفضل فائدة، فكان يعلمنا الوقار والهيبة، كنا نستحيي منه كثيراً، درسنا -رحمه الله - الفرائض لكنه علمنا الوقار والأدب وحسن الخلق.
كانت خطبه الجميلة محل اهتمام الطلاب حتى كأن بعضهم يقلّده تماماً فربما نظن عند تقليد أحد الطلاب له أن الشيخ هو الذي يخطب فعلاً، وكان أحد زملائنا -ونحن في رحلة للمعهد العلمي إلى المدينة المنورة- يتحفنا بذلك أثناء الطريق.
عرفت في الشيخ حبه للإحسان وتشاركت معه في ذلك في بعض المرات، زارنا في محافظة الشماسية وألقى بعض المحاضرات.
التقيت بالشيخ -رحمه الله- بعد تخرّجي وبعد أن أصبحت زميلاً في التدريس في المعاهد لكن ليس في بريدة فهش لي وبش كعادته - رحمه الله رحمة الأبرار.
إنني أشكر ابنه البار -إن شاء الله- الشيخ علي على إخراجه ذلك الكتاب الجميل (خمسة عقود) في سيرة شيخنا محمد السعوي رحمة الله عليه، وأسأل الله أن يجزي مشايخنا وأهل العلم والوفاء الذين ساهموا في إخراج هذا الكتاب خير الجزاء، ووالله إنني لا أكاد أكفكف الدمع وأنا أتصفح هذا الكتاب المبارك ولكم فرحت أن شيخنا قد خلَّف هذا العمل المبارك وتلك الجهود النيِّرة التي لا يستغربها من عرف هذا الفذ، لقد استنطقت صفحات كتابك يا علي الشهم عصي الدمع وحركت في النفس معاني كثيرة وأرجعت على نفسي اللوم والعتاب أن هذه صنائع شيخنا نتلوها مفاخر تالدة فماذا صنعنا؟!
رحم الله شيخنا أمير المنابر فقيد العهد والمعهد أحد ينابيع الإحسان والكرم في منطقة القصيم وفي بريدة العامرة. اللَّهم اغفر له وارحمه ووالديه واجمعنا ووالدينا ومشايخنا وأحبتنا في جناتك جنات النعيم.
** **
- د. سليمان بن ضيف الله بن محمد اليوسف