عبده الأسمري
في خضم حياة مكتظة بالعقبات والعواقب, وممتلئة بالمتاعب والمصاعب في اتجاهات تقتضي السقوط المؤقت, والانهزام السريع, أو الانتصار الحتمي, والاعتبار الإجباري, فيظل الإنسان رهيناً لسلطة «الظروف» وسلطنة «العوائق» وفي مسارين من حيرة متوقعة أو خيرة مؤكدة..
في عمق كل نفس إنسانية قوى تنتظر من يتبصر فيها, ويتدبر منها وصولاً إلى صناعة «المواجهة» مع الأزمات والمجابهة مع التحديات التي تضع الإنسان وجهاً لوجه مع منعطفات مؤكدة, أو متاهات أكيدة, لأن الحياة جملة من «الصراعات» التي تحتاج إلى حلول تقتضي الاستعانة بقدرات الذات في مواجهة الصدمات, والتمكن من النجاة والارتقاء بالنفس من «دوائر» الهزيمة إلى «مدارات» العزيمة.
يعيش الإنسان في حياته في دروب متعددة يستند فيها على اتجاهات «التربية» وموجهات «التوجيه» ويرتهن إلى خبرات حياتية تتراوح ما بين المحددة والمتمددة وفق تجارب العيش ومشارب التعايش التي تصقل الشخصية البشرية وتتجه بها نحو اجتياز «العوائق» وتجاوز «العراقيل» والتأقلم مع المتغيرات والتواؤم مع المؤثرات التي تعترض خطوط الحياة وتحولها إلى «أنفاق» مظلمة من الصراع أو «تعرجات» أليمة من الأوجاع.
يتعرض الإنسان لمتاعب المرض أو مصاعب الفقد أو عواقب الفشل وتأتي هذه الظروف في هيئة «بلاءات» تقتضي الصبر أو «ابتلاءات» تصنع العبر والبشر في ذلك ما بين «كفاح» واجب و»نجاح» مستوجب قائم على «الرضا» ومعتمداً على «الاحتساب» أو «سقوط» جبري «وقنوط» ضروري ناتج من «الإحباط» ومنبثق من «اليأس».
في الآية الكريمة العظيمة (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) منهج فريد للتبصر في «كينونة» و»كيان» و»مكنون» هذه النفس وما تحمله في تفاصيلها من دلائل عميقة وبراهين متعمقة تؤكد أن فيها من القوة والعزم والثبات ما يجعلها في مستوى «الصمود» أمام التأثير ويؤهلها للصعود إلى الأثر في ميزان «قويم» من الفلاح والصلاح اللذين يرسمان معاني الثبات ويرسخان بصمات الإثبات في سيرة الإنسان ومسيرة الحياة.
تتشكل الأقدار في مدارات غيبية ويبقى الإنسان في واقع مفروض من الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره وحلوه ومره وتتباين قوى البشر في تنوع التكيف أو التأقلم أو التعايش مع الأمر الواقع قدرياً في التقبل والقبول وفي مسائل الانهزام أو الإقدام وسط وتيرة «الحياة» ماضية في كل الحالات وشتى الأحوال.
هنالك الكثير من الأسرار في عمق النفس الإنسانية تسهم بشكل فاعل في صناعة الشخصية ومن الأجدى أن يستخرج الإنسان من الأعماق «كنوز» القوى القادرة على الوقوف كخط دفاع قوي أمام المواجهات التي تتشكل في المحيط الاجتماعي مما ينبغي أن يعرف الشخص مكامن الضعف ومواطن القوة حتى يتمكن من السيطرة في «ميادين» الظروف والنجاة في «مضامين» الصدمات.
يلجأ الكثير من البشر إلى النصح والمشورة من منابع مختلفة بعضها يكون منهاجاً لتجاوز أزمة وأخرى تظل اعوجاجاً لتضخيم محنة مما يتطلب أن يعزز الإنسان من قواه الذاتية وأن ينهل من رصيد التجارب التي عاشها الآخرون وأن يستوعب الدروس جيداً في كل منعطف يمر به حتى يستطيع إدارة شخصيته وفق منهج الشرع الإسلامي الذي أوجد «الحلول» المناسبة لكل «الفصول» المتقلبة في الحياة.
تسهم التجارب والأزمات والمواقف والوقفات والصدمات في توفير مناهج «اعتبارية» تظهر من خلالها منحدرات «الخطر» وتتضح على ضوئها مستويات «الحذر» مع ضرورة صناعة «الأفكار» الذاتية التي تنأى بالإنسان عن «مسارب» الصراعات وترتقي بالشخص عن «مآرب» المصالح حتى يمتلك «الرؤية» الأفقية في مراحل قادمة من الحياة تجعله أكثر نضجاً وأعلى وعياً وأسمى فكراً مما يتيح له العيش في مناطق آمنة تسهم في راحة البال واستقرار الحال.
يجهل العديد من البشر بقوى خفية في النفس تنتظر التدبر في توظيفها لخدمة الإنسان في تعاملاته ومعاملاته وتمضي به إلى «شواطئ» الأمن النفسي و»مواطن» الأمان الاجتماعي لذا فإن الاستناد على الهوية الشخصية والاعتماد على القوة الذاتية يسهم في جلب «الفوائد» وجني «العوائد» التي تجعل الحياة نقية من شوائب الجدل وصافية من رواسب الجهل.
الإدارة الصحيحة للشخصية المعتمدة على تسخير قوى النفس والمستندة على توظيف قدرات الذات كفيلة بتقوية الإنسان ضد الأزمات وتهيئة السلوك أمام الصدمات الأمر الذي يصنع الطمأنينة في الروح ويؤصل السكينة في القلب لصناعة حياة آمنة مطمئنة مدفوعة بالصواب ومشفوعة بالإيجاب في كل الاتجاهات والأبعاد.