د. محمد بن صقر
إن المفكرين الذين صنعوا لهم مكانًا في كتب التاريخ ومنهجًا كبيرًا للسياسيين أو الاقتصاديين استطاعوا عبر مشاريعهم الحضارية أو الفكرية أو التقدمية أو السياسية أن يؤثروا على الرأي العام العالمي، وأن يطلقوا أفكارهم وأطروحاتهم ونظرياتهم ليتم تداولها في جميع أنحاء العالم، بل إن بعض الحكومات عملت بسياستهم وأفكارهم، ومن أمثلة هؤلاء كارل ماركس ومفهوم الاشتراكية وماكس فيبر والرأسمالية كذلك باريتوا صاحب نظرية الصفوة وصموئيل هنتنغتون صاحب كتاب نهاية التاريخ حيث أثرت أطروحته صِدام الحضارات في كثير من صناع القرار وأروقة مراكز التفكير والمنتديات العالمية.
فالسؤال حول ما سر نجاح هؤلاء المثقفين والمفكرين في انتشار أفكارهم وتأثيرها على الرأي العام العالمي وأين المثقف الخليجي في إيصال أفكاره وأطروحاته وإقناع الرأي العام العالمي بها؟ هل السبب أن المثقف الخليجي غير قادر على إنتاج أفكار عالمية أم دوره كان وسيلة للقراءة ونقل تلك الأفكار التي تأتي من الغرب والشرق دون إنتاج أفكار يمكن تدويلها بشكل عالمي؟ وهل الإشكالية في الإمكانيات أم في الأفكار التي ممكن أن تأثر على الجمهور؟ وهل المثقف الخليجي ما زال منكفئًا على نفسه ويهتم بالشأن الداخلي في التحليل والتفسير دون إعطاء الحلول؟ هذه التساؤلات يجيب عنها المثقف الخليجي والتي في اعتقادي أنه ما زال يحجم دوره الحقيقي بنفسه ولا يسعى أن يكون ذا رؤية عالمية على الرغم من وجود البيئة الخصبة إنتاج الأفكار وبناء النظريات والقوانين ووجود الوسائل المحلية التي توصله إلى العالمية، كذلك المنصات التي تساعد في ذلك, فالغرب بنى جزءًا من حضارته الغربية على أفكار ابن رشد وشروحه لفلسفة وكتابات أرسطو، والتي لم تكن متاحة لفلاسفة الغرب باللغة اللاتينية السائدة في بلدانهم في العصور الوسطى. على الرغم أنه في ذلك الوقت لم يكن هناك وسائل تواصل أو وسائل تسعى لنشر أفكار ابن رشد والمفكرين العرب ولكنها انتشرت بشكل كبير، كذلك نجد أن أفكار هيجل اعتمدت بأجزاء منها على أفكار ابن خلدون. إن الرأي العام العالمي في وقتنا الراهن متعطش لأفكار وأطروحات جديدة في الاقتصاد والسياسة والثقافة والفكر في ظل الانفتاح الرقمي غير المسبوق، وبالتالي أجدها فرصة عالمية للمثقف الخليجي أن يطلق العنان لأفكاره ونظرياته التي ممكن أن تكون منتجًا عالمياً للرأي العام العالمي، كذلك وأن يتحرر من الانكفاء على النفس ويعلم أنه يمتلك مقومات التأثير العالمي ذلك وإن أدركنا أن الرأي العالمي دائماً ما يتحمس لسماع الصوت الآخر غير تلك الأصوات التي يسمعها من مجتمعه وبطريقة تفكير آخر، فأعتقد أنه حان الوقت أن نكتب عن تجاربنا وقصص نجاحاتنا بطرق علمية ومنهجيات تُدرس في أروقة الجامعات والمنتديات العالمية، فمن المواضيع الجديرة بدراسة والنمذجة ونقل التجربة فيها باعتبارها من التجارب التي ممكن أن تصدر لدول العالم علاقة الحاكم بالمحكوم والمواطنة الصالحة والرفاة الاقتصادي والاستقرار السياسي والثقافي والفكري ومبادرات السلام التي تعتبر أحد أهم خطابات السياسة الخليجية وعنون معاملاتها مع الدول فهي دول السلام, إن الدور الحقيقي للمثقف الخليجي أن يلفت انتباه الرأي العام العالمي بأطروحاته وأفكاره الناجحة والمستندة على الأدلة والبراهين من واقعنا الخليجي المستقر وسباقنا المحموم حول التصدر نحو الريادة في كل المجالات، وأن ينشر تلك الأفكار وبلغات العالم وبين صناع القرار في كل أنحاء العالم.