مشعل الحارثي
كيف حالكم يا من ستعيشون بعدنا بـ(5000) عام؟! ترى ما هي أخباركم وأحوالكم في ذاك الزمان؟ هل ستظلون وقتها تسكنون الأرض أم ستهجرونها إلى البحار وعوالم الفضاء الواسع وسيتاح لكم التنقل بين الكواكب الأخرى من المريخ إلى عطارد والزهرة وستندثر حيوانات النقل القديمة التي الفناها، والسيارات والقطارات والطائرات من قاموسكم؟ وتكون هذه الكواكب هي موطنكم وعالمكم القادم؟! ما هي لغتكم هل هي نفس لغاتنا المتعددة التي عهدناها أم ستتحدثون لغة أخرى موحدة؟! وهل سيكون لديكم مدارس كما لدينا الآن؟! هل ستأكلون مثلما كنا نأكل ونتلذذ اليوم بوجبة المندي والكبسة والسليق والجريش والفول والعريكة والعصيدة والمغش؟! أم سيكون لكم وجبات من نوع خاص في شكل حبوب او كبسولات وستأكلون في كل وقت ولن يكون لديكم مواعيد لوجبات الطعام؟! وقبل ذلك كله هل ستكونون أحياء فعلاً آنذاك أم أن جنون هذا العصر الذي نعيشه وتعبر فيه الأوبئة المصطنعة والعابرة للقارات والمجاعات والكوارث ولغة الدمار والخراب ووحش التكنولوجيا الأعمى يكون قد سبقنا والتهم كل شيء وأصبحتم مثلنا في عالم النسيان؟! وإذا كتب الله لكم الحياة بعد هذه السنين الطوال فهل ستظلون تفكرون بنا وتذكروننا أم سنكون في عداد المنسيين كما نسينا نحن أسلافنا السابقين؟! ولم نعد نذكرهم أو حتى نترحم عليهم برغم ما قدموه لنا من تضحيات ومعطيات ومنجزات وإضافات جعلتنا والعالم نعيش اليوم في بحبوحة من العيش والرفاهية وصلت في بعض الأحيان إلى حد التخمة.
ثارت كل تلك الأسئلة اللا نهائية وأنهل علي سيلها وتعمدت أن أوجهها لسكان تلك العوالم القادمة وأنا أقرأ عن كبسولة الزمن اليابانية التي تمثل كرة معدنية فولاذية ضخمة تم دفنها في حديقة قلعة اوساي التاريخية تحت تمثال ضخم في مرحلتها التجريبية الأولى عام 1970م، وليتم فتحها في صباح يوم 15 مارس/ آذار عام 2000م أي بعد ثلاثين عاماً بمناسبة افتتاح معرض اكسبو 1970م وأثارت اهتمام الزوار، ثم تم بناء (كبسولة الزمن -1) المدفونة تحت الكبسولة السابقة وبعمق (14.4) م وحفظت بطريقة علمية مبتكرة التي من المقرر أن تفتح بعد خمسة آلاف عام أي بحلول عام 6970 م ووضعت لها العديد من التعليمات والإرشادات.
وقد كلف بناء هذه الكبسولة (200) مليون ين ياباني أي ما يعادل ثلاثة ارباع مليون دولار، وراجع اليابانيون من خلالها كيف تم التحول خلال هذه المدة، وماذا أضافوه من تقدم وحضارة ورخاء لبلدهم وللبشرية كافة من خلال محتويات هذه الكرة التي تم اختيارها بعناية فائقة، وقسمت إلى (29) حجرة ضمت (2098) مادة قدمتها الحضارة الإنسانية عبارة عن مخترعات علمية وتكنولوجية ومواد إعلامية وكتب وصور وصحف وتقارير وسجلات وأشرطة صوتية وأفلام ولوحات فنية وقطع نقدية ونصوص لعلماء المستقبل ورسائل مخطوطة لسكان الزمن القادم، وشملت (742) مادة في العلوم الطبيعية، و(686) مادة في العلوم الإنسانية، و(592) مادة في الفنون، و(87) مادة أخرى. وشارك في أبحاثها العلمية عدد من علماء اليابان وأمريكا وفرنسا وسويسرا وإنجلترا وألمانيا وبلجيكا والهند ودول أخرى وساهم في خروجها لأرض الواقع عدد من الشركات والمؤسسات اليابانية.
وكبسولة الزمن ببساطة هي عبارة عن مخبأ تاريخي يختلف مساحته وحجمه من بلد إلى آخر ويضم نماذج من المتاع أو المعلومات أو الوثائق أو القطع الأصلية وغيرها وتدفن في بعض الأماكن العامة أو الخاصة، ويقصد بها التواصل مع الناس بعد عقود أو قرون من الزمن ليستفيد منها علماء الآثار والباحثون والمؤرخون وعلماء الأنثروبولوجيا وليتمكن الأحفاد وأحفاد الأحفاد من الاطلاع على جوانب من حياة الأجيال السابقة وتجاربهم وإنجازاتهم الحضارية.
وفكرة الكبسولات الزمنية ليست جديدة على العالم فقد عرفت منذ عدة قرون وفي صور بدائية بسيطة في شكل صندوق صغير يحفظ به بعض الوثائق أو الرسائل أو المتعلقات الشخصية أو على شكل أحجار مكتوب عليها بعض الأحداث والوقائع التاريخية ويتم دفنها وقد تتعرض للضياع ويتم اكتشاف بعضها بمحض الصدفة لعدم توفر التدابير العلمية لحفظها.
ولأهمية هذا التوجه في بناء ونشر ثقافة الكبسولات الزمنية وقيمة المعلومة وأهميتها في صنع وبناء الحضارة وكونها وسيلة من وسائل تواصل الأجيال فقد تم إنشا جمعية دولية لكبسولات الزمن تعنى بتسجيل مكان وجود تلك الكبسولات وتعمل على تحسين فرص اكتشافها في المستقبل وعدم ضياعها.
وأمام كل ما سبق وعندما وجدت نفسي أسيراً لهذه الأجواء والتساؤلات شطح بي الخيال فقلت لنفسي ألا يجدر بنا نحن في هذه الأرض المباركة أرض الجزيرة العربية مهد الحضارات وموطن أفضل الأنبياء وخاتمة الرسالات عليه أفضل الصلاة والسلام أن يكون لنا ايضاً كبسولة أو كبسولات زمنية تؤرخ لماضي بلادنا وتاريخها العريق وتراثنا الروحي وقيمنا الأخلاقية الأصيلة وتحفظ كل ما يمت لحياتنا وتراثنا الخالد بصلة، وخاصة ما خصنا الله به وتميزنا فيه وتقدمه حكومتنا الرشيدة في كل عام وبكل اريحية وبلا منة من اهتمام بالغ ومشاريع جبارة وخدمات جليلة للحجاج والعمار وزوار الحرمين الشريفين، إلى جانب أعمالها الإنسانية الفريدة ونجدتها السريعة لمساعدة الأشقاء والأصدقاء التي لا تخفى الا على جاحد أو ناكر للجميل، ثم نقدم هذه الكبسولة هدية للأجيال القادمة سواء كان ذلك بصورة تقليدية كما سبق ذكره أو بصورة رقمية حديثة، وهي مجرد فكرة واقتراح اطرحه للرأي والمداولة حتى نرى مثل هذا الحلم وقد تحول لحقيقة ماثلة للعيان ويكون خير شاهد وبرهان للقاصي والداني وعبر القرون.