سهوب بغدادي
هل سبق أن بكيت عند سماع أغنية أو معزوفة أو عند مشاهدتك مشهداً تمثيلياً؟ نعم، الفن يلامس القلب لأنه ينبع من القلب، أن تكون فنانًا أمر ليس بالسهل، فالفن من تأليف وعزف وتلحين وغناء وتمثيل (الفنون الأدائية) مهارات تتطلب سنوات طويلة من الجهد وشغف لم ينطفئ وسط زحام الصعوبات، بالرغم من سهولة الوصول لأدوات التعبير عن الذات بشكل لحظي في عصر السرعة، إذ يعلم العازف أنه يظهر خلجات روحه عبر أو تاره ومفاتيحه، ويشارك المغني أكثر لحظاته ضعفًا أو تجليًا لملايين الأشخاص، ويبرز الشاعر لوحة باهية من الصور المسموعة والخالدة على مر الأزمان، وهذا حال الفنان، وفي أيامنا الحالية، تزخر المملكة بمعاهد مختصة بتعليم الموسيقى وتعنى وزارة الثقافة وهيئة المسرح والفنون الأدائية خاصة بالفنانين وتدريبهم بشكل عالي المستوى على أيدي أبرز المختصين في مجالات عدة، وأذكر لكم تجربتي لأنها الأقرب وأكثر موضوعية من سؤالي شخص آخر، إذ التحقت عام 2020 بثلاث معاهد موسيقية لتعلم البيانو في مدينة الرياض واختبرت الفروقات في المنهج المقدم وطرق وأساليب التعليم التي كانت صعبة في بادئ الأمر، بالطبع - العمر يلعب دوراً- أيضا فقد كنت أبلغ من العمر 31 عاماً وليس بالعمر المبكر لتعلم مهارة جديدة، فكنت محاطة بالأطفال واليافعين وأصاب بالإحباط أكثر عندما يتحدث المعلم عن مهارة طفلة ذات 6 سنوات وتعلمها السريع خلال شهر، إذ كنت أقول رفقًا بي وبمفاصلي المتيبسة التي لم تعتد سوى مسك الأقلام والألوان في معظم الأحيان، مرت 6 أشهر ووصلت إلى مرحلة (البلاتوه) أو ما يعرف بالهضبة نظرا لتساوي المستوى لفترات طويلة دون أي ارتفاع أو تدنٍ، وذلك أمر محبط حقًا، تركت العزف بعدها لمدة 3 أشهر واعتلى الغبار تلك المفاتيح، فكان البيانو بمثابة رمز للفشل عندما أراه كل يوم، وفي يوم ما قررت أن التحق بمعهد آخر وأن أعطي نفسي فرصة أخيرة لعلي أجد ضالتي، ففعلت وكانت تلك الفترة كفيلة بأن تنطلق أصابعي بخفة غير معهودة، وها أنا اليوم أمر بالمفاتيح كل صباح قبل أن أبدأ يومي لأستعد ليوم حافل بالأعمال، وأهرع مساء لها لألملم شتات ما اختبرته في يومي، لم يعد البيانو رمزًا للفشل أو خيبة الأمل بل للشغف والتغلب على الصعاب، ومكانًا آمناً يحتوي أفراحي وأحزاني، بعد هذه القصة ظننت أنني كابدت في رحلة تعلم الآلة الموسيقية، إلا أنني وجدت من واجه صعوبات أكبر وتحديات لم تمنعه من ممارسة شغف، يحكي لي الفنان هذال السليمان، أنه أحب الغناء في صغره، من ثم توجه للعزف والتلحين فتعلم العزف على آلة البيانو من ثم اتجه لآلة العود، وأخبرني الفنان هذال أنه التحق بأحد المعاهد لتعلم الموسيقى ووجد صعوبة بالتأكيد، لم تكن الصعوبة كتلك التي واجهتها في قصتي، بل واجه صعوبة أكبر كونه (كفيفاً) ويتطلب أدوات أكثر مواءمة خلال العملية التعليمية، لم يتوقف هذال عند هذه العقبة وواصل رحلته ليصبح فنانًا متميزًا، حيث قام بكتابة شعر وتلحينه وغنائه بمناسبة اليوم الوطني ولاقى العمل استحسانًا ورواجًا كبيرين، تحت اسم (دمتي لنا يا دار).
وبعد ذلك عمل على أغنية أخرى بعنوان أيا داري بمناسبة يوم التأسيس السعودي، من كلمات الشاعر عبدالله السيف أيضًا أقام العديد من الحفلات وأبرزها في موسم الرياض برعاية كريمة من معالي المستشار تركي آل الشيخ، الذي خصص له يوما لإبراز موهبته، كما يبرع هذال في مجاله، إذ استذكر أول لقاء جمعني به في مقر هيئة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة في الرياض، فكان الشاب هذال العازف الأساس في تلك الأمسية الرائعة بحضور شخصيات إعلامية بارزة، في هذا السياق، أكبر دور وزارة الثقافة والجهات المعنية بذوي الإعاقة، ونحث من هذا النسق أن يكون هناك تعاون بين الجهات المذكورة آنفًا لخدمة الأشخاص ذوي الإعاقة وتقديمهم للفن ورعايتهم، حيث نطمح أن نرى حضورًا لذوي الإعاقة في الفرقة الوطنية السعودية، أيضا بتسهيل ودمج ذوي الإعاقة في المعاهد الموسيقية في السعودية، كذلك الفنون الأدائية كالمسرح، فتكون هذه الجهات راعية وتكفل حصول الشخص من هذه الفئة على أفضل تجربة تعليمية وأدائية ممكنة، بتخصيص الأدوات والوسائل الملائمة واستقطاب المختصين بتعليم هذه الفئة العزيزة على قلوبنا، إن تعزيز حضور ودور الأشخاص ذوي الإعاقة في كافة المجالات ليس فقط في سوق العمل، بل في النطاقات الأخرى أحد سبل تفعيل جودة الحياة المنطلقة من أساسات رؤية 2030 نحو غد أجمل بإذن الله.
«الفن يمسح عن الروح غبار الحياة»