عبده الأسمري
أحسن «الصنيع» في سيرته وصنع «الحسنى» في مسيرته.. حازماً «أمتعة» المعرفة متحدياً «عقبات» الرحلة بوثبات «المرحلة» ليرتب «مواعيد» المقام على «أسوار» التفوق..
ما بين رائحة «الطين» في مزارع قريته ولائحة «اليقين» في منافع أبحاثه.. أنتج «كيميائية» الأمنيات من «عفوية» أولى «وهوية» مثلى نقلته من «أبن» قرية إلى «عالم» قارة.
ووسط مختبرات «الطب «البشري وعبارات «الخط» العربي وتقلبات «المناخ» الإقليمي وظف «الأبحاث» وسطر «الحروف» ورصد «الوصوف» في اتجاهات «مهنية» تأصلت في أعماق الفراسة وتجلت إلى آفاق الدراسة ممتطياً صهوة «المثابرة» وحاصداً حظوة «العباقرة» بأمانة «الحرفة» ومكانة «الاحتراف»..
إنه أستاذ واستشاري الكيمياء الحيوية الطبية والوراثة البشرية ورئيس الكيمياء الحيوية بالمستشفيات الجامعية وعضو الشورى الأسبق البروفيسور محسن علي فارس الحازمي أحد أبرز العلماء والباحثين في العلوم والطب بالسعودية والخليج.
بوجه جازاني الملامح جنوبي المطامح وسحنة مسجوعة بعبير الأماكن ومشفوعة بأثير الأزمنة وتقاسيم باهية تتكامل مع والديه وتتماثل مع أخواله وشخصية هادئة الطباع كريمة التطبع لطيفة التعامل وعينان تمتلئان بنظرات «الهدوء» ولمحات «التأمل» وكاريزما مكتظة بالأدب الجم والخلق الرفيع وصوت خليط من اللهجة البيضاء واللغة العصماء وتفاصيل عميقة تكتظ بها ذاكرته اللامعة وعبارات تتلألأ بمصطلحات طبية عميقة وتتسامى بموشحات كيميائية متعمقة ومفردات علمية بالغة التفصيل وبليغة المعنى تستند على «مخزون» زاخر بالتخصص وفاخر بالاختصاص قضى الحازمي من عمره عقوداً وهو يهدي للوطن بشائر «الابتكارات» ويمنح الأجيال بصائر «المبادرات» ويؤصل في المستشفيات مناهج الكيمياء ويوظف في المنهجيات مباهج العطاء ويملأ قاعات الجامعات بدلائل الأستاذية ويبهج طاولات الاجتماعات ببراهين الاحترافية عالماً وأستاذاً وأكاديمياً واستشارياً وشورياً وباحثاً ومؤلفاً وضع اسمه في قوائم «الكبار» وترك صداه في مقامات «الاعتبار».
ولد الحازمي عام 1362 في قرية «العشة» بمحافظة «صبيا» درة جازان السخية بتخريج العلماء والفقهاء وتفتحت عيناه على أب شهم يراه حيناً ويفقده «أحايين» نظير تنقله للتجارة ما بين اليمن ومنطقته وظل محسن يتلقى دروس» الإحسان على يد أبيه حين حضوره في حين تولت والدته العطوفة الشغوفة بتعليم أبنائها إشباع قلبه بنصائح «التربية» ولوائح «التوجيه».
انغرست في وجدانه بذور «الكفاح» مبكراً فظل يساعد والديه في متابعة «المزارعين» و»العمال» وأطلق ساقيه للريح مع أقرانه مستنشقاً أنفاس «الفل» الجازاني ونفائس «الكادي» الصبياني وتعتقت نفسه بنسيم «المحاصيل» في مواسم المطر وتشربت روحه صدى «المواويل» في مراسم الحصاد.. التحق صغيراً في كتاتيب القرية وكان ينهي نهاراته بأحاديث البراءة وأحداث البر بين يدي أبويه ليطبع قبلتين على جبينهما قبل أن ينثر على أسماعهما عناوين أحلامه المسكونة بالبلاغة والنباغة مما جعله حديث «نبوءة» ملأت أرجاء الديار بتأكيدات على براعته المبكرة.
التحق الحازمي بالمدرسة الأميرية بمدينته وحصل على الشهادة الابتدائية ثم نال استراحة إجبارية باحثاً عن اتجاه دراسي لم يكن في محيطه ووجه قبلة تعليمه شطر نصيحة من أحد أبناء القرية المقيمين بالرياض حيث توجه للدراسة بمعهد الملك سعود للتربية الفنية وتعلم فنون الخط لمدة عام وشعر بضرورة العمل حيث انتقل إلى جدة ليعمل خطاطاً للخطوط السعودية بمطار جدة..
ظل الحازمي يسابق بعد نظره باحثاً عن «آمال» قادمة تنتظر طموحه فالتحق بمعهد التدريب الفني بالمطار حيث درس علوم الأرصاد الجوية لسنتين وتعين معيداً بالمعهد. وخلال هذه الفترة أكمل دراسته المتوسطة وعاد إلى مسقط رأسه وتزوج وفق طلب والدته ثم انتقل إلى مرحلة جديدة حيث توظف في مطار الظهران في مجال الأرصاد وحصل على الثانوية وفق النظام الليلي ثم قرر إكمال دراسته والتحق بكلية العلوم بجامعة الملك سعود وحصل على درجة البكالوريوس بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى عام 1972 ثم عمل على وظيفة معيد بالكلية عام 1973 وواصل دراسته ونال درجة الدكتوراه عام 1977 كأول سعودي متخصص في الكيمياء الحيوية الباثولوجية (المرضية) من مستشفى ادن بروك, قسم الكيمياء الحيوية السريرية والمركز التعاوني لمنظمة الصحة العالمية بجامعة كامبردج ببريطانيا وعمل محاضرا بالكلية عام 1978 وتم تعيينه مديراً مؤسساً لمركز أبحاث كلية الطب بجامعة الملك سعود ثم ترقي إلى أستاذ مساعد ثم إلى مشارك عام 1979 وفي عام 1981 تعين كأول وكيل لكلية الطب للشئون الأكاديمية ونال درجة الأستاذية بالجامعة عام 1984 ووضع أول منهج تعليمي متقن لكلية الطب وتأسيس قسم التعليم الطبي بالكلية في نفس العام ولأنه محب للطب وكان عنواناً لأمنياته عاد الحازمي إلى جامعة كامبردج ونال منها بكالوريوس الطب والجراحة عام 1988 وحصل على عضوية فزمالة الكلية الملكية البريطانية لعلم الأمراض.. وعاد إلى الرياض وانغمس في عمله الأكاديمي والبحثي وخدمة المجتمع في مجال الأمراض الوراثية والمزمنة وقد تم تعيينه عضواً في مجلس الشورى لمدة ثلاث دورات من عام 1426 حتى عام 1438.
جهود جبارة قام بها الحازمي جعلته وجهاً سخياً للتميز العلمي والبحثي حيث حضر عدة مؤتمرات وحلقات نقاش وتدريب بحثي ونشر أكثر من ثلاثمائة ورقة علمية محكمة وشارك في أكثر من 300 مؤتمر بالداخل والخارج وقدم إنجازات علمية تمثلت في اكتشاف هيموجلوبين الرياض وهيموجلوبين هلسنكي وعلاجات لصبغة الدم المنجلية واعتلالات الثلاسيميا.
ومن إنجازاته العمل كمستشار غير متفرغ لمنظمة الصحة العالمية ووزارة التعليم العالي ووزارة الصحة. وقام بإنشاء الجمعية السعودية الخيرية للأمراض وكان أول رئيس لمجلس إدارتها إلى جانب عضوية عدد من الجمعيات المتخصصة والخيرية. وأسس مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة ووضع برامج ونظام رعاية ذوي الإعاقة.. وهو المدير المؤسس للمركز التعاوني لمنظمة الصحة العالمية للأمراض الوراثية وشارك في عدد من المجموعات واللجان التطوعية والجمعيات الخيرية العاملة في هذا المجال.
وقد كان ممثلاً لصاحب السمو الملكي رئيس مجلس جمعية الأطفال المعاقين ورئيس لجنة إنشائها وعمل على تأسيس فرع الجمعية بمنطقة جازان حتى بدء تشغيلها وعمل ممثلاً لصاحب السمو الملكي رئيس مجلس إدارة جمعية التوحد وعمل على إنشاء مركز الأمير تركي بن ناصر بجازان ومتابعة تشغيله
وقام الحازمي بإجراء بحوث مخبرية تشخيصية وسريرية وعلمية تطبيقية وحساسية وعدة بحوث وطنية في مجال الأمراض الوراثية وداء السكري والإعاقات والتهاب الفيروس الكبدي مما أدى إلى رسم خرائط لنسبة حدوث وتوزيع هذه الأمراض. وقدم اقتراح برامج رعاية وإنشاء عيادات ومراكز للرعاية والتأهيل والوقاية من الأمراض الوراثية وأهمها مشروع الفحص قبل الزواج والتوعية به والإرشاد الوراثي الوقائي وساهم في نشر أكثر من عشرة كتب باللغة العربية وهو عضو في عشرات الجمعيات والهيئات واللجان محلياً ودولياً وحصل على العديد من الجوائز وعشرات الشهادات التقديرية وعدة منح بحثية وعلمية.
محسن الحازمي.. مجموعة من المعارف وجمع من المشارف التي تشكلت في قامة منفرد وتمثلت في قيمة مبدع.