«الثقافية» - مسعدة اليامي:
الواقع أن السرد في الرواية أشبه باللوحة الفنية التي تُغْريك في اقتنائها لما تَمْتلك من فِتْنة الألوان.. التي تُثير بِدَاخِلك الأسئلة.
ألوان الرواية المتعددة تَسحركَ لدرجة أنكَ لا تَمْتلك القُدرة عَن التوقف عن قراءة ذلك النتف المتساقط على أرض ساخنة بالتاريخ، والواقع الفاتن رغم مرارة الحياة.
الألوان التي أقصد هي المواضيع المتشعبة.. التي تطرق لها الروائي أثناء الرواية.
المشكاة التي تُنير لك الطريق، والتقدم في قراءة الرواية هي الأحداث المتواصلة التي لا تعرف الانقطاع، رغم كثرة الانعطافات التي تجدها في كل بضعه من السطور.. تلك المنعطفات التي تزيدك فتنة بجمال الرواية التي رسمت بحرفية عالية.
تمكن الكاتب في التنقل من حدث إلى حدث بموضوعية وفي وقت وجيز دون أن يخل ذلك بالعمل، فإنما يحتاج منكَ التركيز، والتأمل حتى لا تتسرب منكَ تفاصيل الأحداث الكثيرة الموجزة وتلك هي البراعة في العمل.
فالكلمة أو العبارة التي وضعها على لسان الشخصية حدث قد يقرأ لوحده في سطور والجميل في العمل أن الروائي ربط مكانة المرأة وقوتها ما بين التاريخ المتمثل في قصة الكنداكة وما أَقْدْمت عَلِيهِ من استدراج القائد الاسكندر.. الذي طمع في ثروات بلادها بالحيلة. وتلك تعد من الوثائق التاريخية الشهادة على قدرة، وذكاء المرأة في تلك الحقبة الزمنية، تعرفت مسبقاً على الكنداكة من خلال الطفلة هديل أنوار من السودان، بطلة تحدي القراءة العربي لعام 2019م عندما تحدثت بذلك للجنة التحكيم، وقدمت ذلك الرمز هدية لدكتورة بروين حبيب، والسبب في ذلك أن اللجنة طلبت من المشاركين التحدث عن رمز من رموز بلاد كل مشارك.
قَدرتُ بَعد ذَلك أن الروائي يَبحث أو يناشد عن دور المرأة الرمز من خلال المرأة السودانية في الواقع الحالي، فكانت شخصية زينب بلال ما بين مد وجزر في الحيلة التي تريد بها أن يكون لها حياة مستقرة، بعدما أصبحت أرملة وهي أم لـ(13) من الأولاد والبنات.
كانت تلك هي ساحة الكاتب التي لعب بداخلها من خلال الشخصيات الكثيرة.. التي مرر عَبر ألسنتها الكثير من المشكلات، والقضايا على شكل تقاطع، ومن تلك المشكلات الاجتماعية (الزواج العرفي، السحر، السيطرة على الأبناء في سن البلوغ) ذلك هو الشق الأول، أم الشق الثاني ما حدث نتيجة الأوضاع السياسية المضطربة، بكثرة الفساد، والغلاء، والبطالة وغيرها، فما كان هناك أمام الكاتب إلا أن يصنع الحيلة في حياة الشخصيات حتى يتمكنوا من المضي قدماً في العمل السردي، ومن الإسقاطات العميقة التي راقت لي كثيراً (الإلهاء) إلهاء الناس بالمباراة ومتابعتها حتى تشغلهم، وتلهيهم عن واقع السياسة وتلك حقيقة، ما تطرق لها إلا خبير صحفي متابع للأحداث، ليس في السودان فقط، بل في الوطن العربي.
الجميل في الرواية أن الشر في الإنسان، ليس طبيعة أو فطرة ولد بها وإنما الظروف هي من تدفع إلى ارتكاب بعض الحماقات، فوجدت نفسي أتعايش مع طبيعة متزنة لزينب، وابنتها فاطمة التي كانت تريد من المرأة أن تترك الاهتمام فقط بالحناء، وأن تشتغل بما هو من وجهت رأيها الأهم.
رواية رسام المملكة للروائي القدير صديق الحلو الواقعة في (85) صفحة من النوع القصير العميق، المكثف بالأحداث، ولن أنسى أن أقول إن شجرة النيم خلدت في الرواية السودانية الحديثة، فكأنها اسم الأب المتاخم لاسم الابن.. الذي لا يستطيع أن يمر من أي مكان بدونه وتلك أصالة نابعة من القلب، كونها توجد نفسها في أي مكان في الرواية السودانية.
ولا أغفل عن أن الكاتب أيضاً لوح بدور السينما وما تقدم من أعمال ما بين التسلية وإلباس الشريحة المهمشة أو ما يقال عنها بسيطة التفاعل والانغماس في متعة ما يشاهد حد الضياع والشتات الفكري والنفسي والضعف الجسدي أو الثورة الجسدية، فتزيد من بؤس البؤساء بؤس، ليظلوا في ذات الدائرة يتحركون، دون أن تلمس جباههم ضوء الأمل بالشروق بحياة أكثر استقراراً.