خالد محمد الدوس
ولد العالم الاجتماعي الأمريكي (هارولد جارفينكل) عام 1917 في ولاية نيوجيرسي الأمريكية وقد تلقى تعليمه العام في مدينة نيوآرك ليلتحق بجامعة نيو جيرسي, ونال الشهادة الجامعية في علم الاجتماع وواصل تعليمه العالي في جامعة هارفارد العريقة ونال شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع عام 1952 وكان مشرفه العالم الفذ.. رائد النظرية الوظيفية (تالكوت بارسونز) وكان محور اهتمامه التنظيم الاجتماعي خاصة في الحقل الذي يسمى «مناهج بحث الشعوب» أو ما يسمى أيضاً «بالمنهجية الشعوبية» والذي أثرى هذا الحقل وساهم مساهمة كبيرة فيه خاصة وأن أهم منشوراته العلمية كتاب «دراسات في مناهج بحث الشعوب» (1967).
وفي سياق الجذور الفكرية للاتجاه الإثنوميثودولوجي فقد ظهر في سنة 1967 عندما نشر العالم هارولد جار فينكل كتابه الشهير «دراسات في الإثنوميثودولوجي» متأثراً بالفلسفة الظاهراتية, والإثنوميثودولوجيا مصطلح مركب من جزأين: أثنو: جماعة، سلالة, عرق. وميثودولوجيا تعني منهج البحث, ومنهجة الجماعة وهناك من يترجمه إلى المنهجية الشعبية, المنهجية الواقعية التي عّرفها العالم هارولد جار فنكل: بأنها استقصاء الخصائص العقلية لمجموعة التعبيرات والأفعال العلمية التي تتم أثناء الحياة اليومية, وبتعبير آخر يشير هذا المصطلح «إلى دراسة المعاني التي يعطيها الناس لكلماتهم وأنماط سلوكهم» وحسب معطيات علم الاجتماع فإن الاتجاه الإثنوميثودلوجي يهتم بالتحليل السوسيولوجي للحياة اليومية. وقد وظف جارفينكل وأتباعه في دراستهم الامبريقية جملة من التقنيات المنهجية الكيفية المستحدثة, الكيفية من وجهة نظرهم بالكشف عن المعاني الكامنة خلف مواقف الحياة الاجتماعية, وهو ما أشرنا إليه آنفاً بـ«المنهج الإثنوميثودولوجي».
واعتبر جارفينكل أنه يوجد نظام أخلاقي عبارة عن بناء اجتماعي من القيم المعيارية, يمثل أسس التنظيم الاجتماعي وهو -حسب وجهة نظره- يعتبر موضوع علم الاجتماع. كما اعتبر أن النظام الأخلاقي مقبولٌ عند أعضاء المجتمع, وهذا النظام الأخلاقي يمثل الأسس لتفسير الواقع الاجتماعي. كما أشار إلى أن دوافع الفرد هي أن يكون متطابقاً ومتوافقاً مع هذا النظام الأخلاقي عند تفسيره للواقع الاجتماعي. وبصورة أخرى يفهم الفرد الأفعال اليومية بواسطة تفسيرها بالرجوع إلى ذلك النظام الأخلاقي.
وفي سياق البحوث والدراسات العلمية انشغل العالم الراحل عدة سنوات بإجراء البحوث والدراسات بجامعة هارفارد العريقة التي تجاوز عمرها التأسيسي أكثر من (387 عاماً), ثم أسس خلالها مدرسة متميزة من العلماء الإثنوميثودولوجيين ومنهم على سبيل المثال العالم هارولد سيكوريل وخلال الفترة (1966-1971) أصبح رئيساً لمركز التدريب والبحث في جامعة كاليفورنيا, ومن أشهر العلماء الذين تأثر بهم العالم الراحل بصورة مباشرة في مسيرته العلمية والتعليمية هم: العالم المعروف بارسونز والعالم الفرد شوتز الذي درس معه في المدرسة الحديثة للبحث الاجتماعي. والعالم أرون كرفيتش والعالم أدموند هوسرل وهم من الفلاسفة الفينومينولوجين ويلاحظ مدى تأثر الإنثوميثودولوجية بكل من الفينومينولوجية (الفلسفة الظاهراتية) أو الظواهرية, وهي بالمناسبة نظرية تركز على ما هو غير ظاهر وتتجاوز البحث في صور الظواهر إلى ماوراء ذلك, ومن رواد التحليل الفينومينولوجية عالم الاجتماع الأمريكي ألفريد شوتز (1899-1959) الذي اشتهر بكتابه (فينومينولوجية العالم الاجتماعي).. وأيضاً تأثرها بالمدرسة الوظيفية كما جاء في تأثير بارسونز عليه الذي أشرف عليه في مرحلة الدكتوراه..
ولقد استطاع جارفينكل تكوين مدرسة فكرية تبنت هذا المنظور (الإثنوميثودولوجيا) الجديد في جامعة كاليفورنيا, حيث كان يمارس مهنة التدريس ثم نشر هذا المنظور حديثاً في باقي الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وبريطانيا وغير ذلك من الدول ومما ساعد على انتشاره.. بروز الحاجة إلى تأسيس نظرية سوسيولوجية تحتل فيها حرية الفرد وأفعاله القصدية مكاناً بارزاً خاصة في ظل عجز النظريات الاجتماعية الكبرى عن إيجاد حلول للازمات السياسية والأخلاقية التي تعرض لها المجتمع الأمريكي وغيره من المجتمعات الأوروبية نتيجة انتشار الحروب العسكرية والانفصالية والدينية والسياسية وعجز العلوم الاجتماعية عن دراستها وتقديم تفسير مقنع لها.
توفي العالم الاجتماعي (هارولد جارفينكل) في لوس أنجلوس عام 2011 عن عمر يناهز الـ 94 عاماً بعد أن ساهم في تأسيس ونشأة الاتجاه الإثنوميثودولوجي ضمن الاتجاهات النظرية المعاصرة للتفاعلية الرمزية, وأشبع مكتبة علم الاجتماع بالأبحاث العلمية والدراسات الثرية التي لاتزال تشكل مرجعاً هاماً للباحثين والمختصين والدارسين في علم الاجتماع في أعرق الجامعات العالمية وغيرها.