د.منال بنت عبدالعزيز العيسى
صدرت الموافقة الملكية الكريمة من خلال مجلس الوزراء على تسمية 2030م بـ «عام الشعر العربي» احتفاءً بالقيمة المحورية للشعر في الثقافة العربية»
وانطلاقاً من ذلك أعتقد كما كنت أنادي دائماً بأهمية إعادة النظر في الإرث الحضاري السعودي العميق الهوية والتاريخ، بما يتناسب ومكانته الأنثربولوجية في المشهد الثقافي السعودي، سواء أكان ذلك الإرث شعرا نبطيا أم فلكلورا شعبيا (الأزياء - الرقص الشعبي - اللهجات)
ولعل أهم ما يحتاج إعادة النظر إليه وفيه ومنه «الشعر النبطي السعودي» إذا ما علمنا بأنه لم يؤرخ ولم يؤصل حتى الوقت الحاضر، وفي ذلك ضياع كبير لموروث شعري يعكس الإرث الثقافي السعودي عبر أجيال عدة بسياقاتها الجغرافية والحضارية والثقافية الثرية.
وأعتقد جازمة بأن حجب الجامعات السعودية للدراسات الثقافية وتمنعها عن إدراجها ضمن مناهجها أو القبول بموضوعات بحثية خاصة بالشعر النبطي هو نرجسية علمية يجعلها في أبراج أكاديمية وهمية تصر على القطيعة بين الموروث البشري السعودي وبين الدرس العلمي الأكاديمي؛ بما يشكل عزلة علمية تضر ولا تنفع.
انطلاقا من ذلك أقترح الآتي:
- تفعيل الدراسات النقدية الجمالية في الجامعات السعودية،والتي لا تختص بالجنس الأدبي فقط - كما هو معمول به - بل تنفتح على الإبداع البشري بأنواعه العديدة شفهيا كان أم مكتوبا مثل: الشعر النبطي - الرقصات الشعبية - الفلكلور الشعبي - اللهجات - الموسيقى - النحت) وهذا يوسع أفق النقد بالمفهوم الجمالي العام والذي حرمت منه الجامعات السعودية لعقود زمنية واعتمدت على النقد الأدبي فقط وهذا خلل معرفي علمي ينبغي إعادة النظر فيه، واستثمار كلية الفنون الجديدة بعقد شراكات بين الكليات الإنسانية ووزارة الثقافة بهيئاتها المتعددة وتلك الكلية ؛ لإبراز الفنون السعودية وفق منهج جمالي منفتح على كافة فنون الإبداع البشري السعودي.
- إعادة النظر في المناهج التي تقدم في الكليات الإنسانية وتحديدا أقسام اللغة العربية، وإدراج المواد الآتية: (الشعر النبطي السعودي - الفلكلور الشعبي السعودي - اللهجات العربية)
- تأصيل وتأريخ الشعر النبطي السعودي بمشروع ثقافي تتبناه وزارة الثقافة بالشراكة مع الجامعات السعودية ودارة الملك عبدالعزيز لتأصيل فن شعري غاب عن الدراسات العلمية بحجج متنوعة لا يمكن القبول بها في الوقت الحاضر، إذا ما علمنا تاريخياً بأن الشعراء العرب الآتية أسماؤهم من المملكة العربية السعودية بحدودها الجغرافية الحالية كما ذكر ياقوت الحموي:
• امرؤ القيس عاش في القصيم.
• زهير بن أبي سلمى في عقلة الصقور بالقصيم.
• لبيد بن ربيعة العامري من عالية نجد الجنوبية (الخرمة).
• الحارث بن عباد فارس حرب البسوس من الضبيعة في الخرج.
• عنترة بن شداد من عيون الجواء بالقصيم.
• عمر بن كلثوم من حفر العتش.
• امرؤ القيس من مرات.
• الأعشى من منفوحة.
• الحارث بن حلزة اليشكري من ملهم.
• النابغة الذبياني من عقلة الصقور بالقصيم.
• علقمة الفحل من ثرمداء.
• عبيد بن الأبرص الأسدي من القصيم.
• المتلمس الضبعي من القرينة بالقرب من حريملاء.
• جرير ولد في أثيثية بالوشم.
• الفرزدق من حفر الباطن.
• ابن دمينة عبدالله الأكلبي من تثليث.
• الحطيئة من الزلفي ثم بنبان ثم الوسيع.
وبالتالي فإن الشعر العربي الفصيح مصدره المملكة العربية السعودية وما الشعر النبطي إلا امتداد تاريخي لأحفاد الشعراء العرب، فكيف يهمل هذا الإرث الشعري العربي السعودي في الوقت الحاضر.
- تشكيل لجنة علمية عليا؛ لحصر الشعر النبطي في المملكة العربية السعودية حسب سياقاته الجغرافية والحضارية، فالمملكة بخمس قارات داخلية (الجنوب - الشمال - نجد - الشرقية - الغربية) وهذا الامتداد الجغرافي العظيم يتيح شعر نبطي متنوع ومتعدد اللهجات والموضوعات، وهو ثروة ثقافية حضارية ينبغي رفع راية دراستها والاهتمام بها علمياً وثقافياً.
- حسب ثقافتي المتواضعة أقترح البدء بـ:
• أصحاب السمو الأمراء من الشعراء في المملكة العربية السعودية ولعل أبرزهم: خالد الفيصل، عبدالله الفيصل، عبدالرحمن بن مساعد، بدر بن عبدالمحسن، تركي بن سلمان، عبدالعزيز بن سعود (السامر)، محمد الفيصل، سعود بن بندر، تركي بن عبدالرحمن.
• الشعراء النبطيون المشهورون في كل منطقة جغرافية ولعل من أبرزهم: خلف بن هذال، مساعد الرشيدي.
والأهم تأصيل تاريخ الشعر النبطي السعودي ثم تأصيل اتجاهاته الموضوعاتية والفنية.
- فيما يخص الرد على من يقول بأن تدريس الشعر النبطي أو الشعبي تدريس الشعبي في الجامعات يقوم بتقويض الفصيح، أقول:
هذا رأي محدود الأفق والطموح والأدوات العلمية البحثية الجادة، ويعيش عزلة علمية لا تؤمن بالانفتاح على الموروث الثقافي بشكل عام والشعر النبطي منه بشكل خاص، وهو رأي يجهل عامداً متعمدا الإرث الشعري النبطي السعودي الذي هو امتداد تاريخي جغرافي للشعر العربي الفصيح حسب أصله وجغرافيته التاريخية، ويصر على مقترحات بحثية أصابها الفلس العلمي كدراسة الطعام في شعر درويش الذي سجل في إحدى الجامعات السعودية ونوقش دون اعتراض!
لذا، ادعو الجامعات السعودية ووزارة الثقافة ودارة الملك عبدالعزيز لتأسيس مشروع ثقافي عام؛ يعنى بالنقد الجمالي الذي ينفتح على دراسة الإبداع السعودي بأنواعه العدة، وتفعيل البحث الأكاديمي من خلال كلية الفنون بجامعة الملك سعود لاستحداث مناهج خاصة بالإبداع السعودي يتجاوز الرصد والطباعة لأبحاث أكل الدهر عليها وشرب سواء أكان ذلك في موضوعاتها أم في مناهجها أم في مخرجاتها العلمية، بما يعكس حالة الفلس الموضوعاتي في بعض الجامعات السعودية، وليكن عام 2032 عام الشعر السعودي بأنواعه العديدة المكتوبة بالفصيح أو بالعامية أو الشفاهية التي تنتظر توثيقها علمياً وأرشفتها منهجياً بما تستحق تاريخياً وحضارياً.
** **
- أستاذ الفلسفة والنقد بجامعة الملك سعود
26-7-1444هـ