التوتر والصراع بين الذات الداخلية والذات الخارجية أصبح شائعاً هذه الأيام، فكل منَّا منغمس في اتجاهات متعددة، ونتيجة لذلك نجد أن تصرفاتنا وأفعالنا لا تتوافق في غالبها مع قيمنا الأساسية.
ورغم ذلك، فإن إدراكك لذاتك الداخلية وكيف تتوازن مع نفسك الخارجية هو الأساس لصحة عقلية وجسدية وروحية. ولعل هذا الأمر يُعَدُّ جانبًا مهمًا يجب علينا مراعاته عند العمل على توازن جيد في حياتنا بشكل عام.
ففي بعض الأحيان يكون من المفيد تقديم نفس خارجية مختلفة للآخرين أو للعالم الخارجي عما نكنه في داخلنا. فتجدنا نقيم إيجابيات وسلبيات مشاركة مشاعرنا الحقيقية مع الغير على ضوء ما نتوقعه بناء على مجموعة ظروف معينة.
لذلك نحاول أن ننمق ذاتنا وأنفسنا الخارجية التي نقدمها للعالمنا الخارجي لتعكس أفضل ما فينا، لكن المشكلات تبدأ تظهر إذا أصبح التظاهر بعكس مشاعرنا الحقيقة هو نمطنا وديدنا في جميع الأحوال. فالذات الخارجية تهتم فقط بالأشياء المادية، مثل شكلك الخارجي من لباس وشعر وخلافه، إضافة إلى المجموعات والشلة التي تنتمي إليها أو الشخصيات التي تصورها، لكنها تقضي وقتها في التعامل مع متطلبات الحياة من مدرسة وعمل وحياة منزلية وأي مصادر تشتت أخرى في العالم الواقعي تتعرض لها كل يوم. وبالتالي فالعالم الخارجي أصبح متطلبًا ولا يعطيك فرصة لتختار أو لتفكر فيما إذا كان ما يحدث خارج حياتك يتوافق مع ما تريده شخصيتك الداخلية أو ما يناسبها.
وفي المقابل فإن الذات الداخلية تدور حول ما لا يمكن رؤيته، مثل المشاعر، والحدس، والقيم، والمعتقدات، والشخصية، والأفكار، والعواطف، والتخيلات، والروحانية، والرغبات وأهدافك في الحياة.
فإذا كانت ذاتك الداخلية قوية فهذا يعني أنك تستطيع أن تتعامل بشكل جيد مع عواطفك، وأنك مدرك لذاتك، ولديك وضوح وإحساس جيد بقيمك، وتشعر بالهدف في الحياة، وهذا ينعكس على قدرتك على البقاء هادئًا ومرنًا في مواجهة الشدائد من العالم الخارجي.
لكن يحدث صراع بين الذات الداخلية والخارجية، وتبدأ المشكلات عندما تكون ذاتك الداخلية متضاربة أو غير متوازية مع ذاتك الخارجية.
هذا التعارض بين الذات الداخلية والخارجية يشير إلى عدم التوافق، بمعنى أنت تفكر في شيء ما ولكن تفعل شيئاً آخر. وبالتالي فكلما زاد الصراع اتسع الاختلاف بين ما تؤمن به الذات الداخلية وما تفعله الذات الخارجية. وفي النهاية تتولد لديك ضغوط تضر بحياتك الشخصية وتلحق الضرر بالعقل والجسد والروح، وقد لا تدرك ذلك، فتبدأ تتعامل مع نفسك وتحدث ذاتك، وهذا سيؤثر سلباً أو إيجابيًا على مستويات التوتر لديك.
فإذا كان حديثك الذاتي سلبياً بشكل عام، فقد تدرك الأحداث إذا كانت حياتك أكثر إرهاقاً مما يجب أن تكون عليه وتخلق قلقًا وتوترًا غير ضروريين لنفسك، وبالتالي تعزو الدوافع السلبية إلى الأشخاص ذوي النيات الحسنة، وقد ترى نفسك أقل استعدادًا للتعامل مع التحديات التي تواجهها، وقد ترى فقط سلبيات أكثر من الإيجابيات في ما تواجهه في الحياة، وهذا ينعكس على الجوانب المشرقة في حياتك فلا تحس فيها ولا تستمتع بها بسبب الحديث السلبي المعتاد عن نفسك، فتستسلم لنمط الاجترار، وهو نمط من التفكير السلبي يمكن أن يستهلك وقت فراغك ويجلب التوتر من الماضي إلى الحاضر دون أي داعي ولا يؤدي إلى أي حل لتلك الضغوط.
وفي الواقع، فإن ذلك الصراع ينشأ بسبب قضاء الكثير من الوقت في التفكير في نفسك الداخلية. لو سألت نفسك: ما مقدار الوقت الذي تقضيه في الجري فارغاً، تكافح فقط من أجل تلبية متطلبات اليوم، دون التفكير فيما إذا كانت أفعالك وسلوكياتك تتماشى مع نفسك الداخلية؟ فكر في إجابتك وابتعد عن هذا الأمر، فالصراع بين الذات يؤدي إلى التوتر، مما يجعلك أكثر عرضة للإصابة بالمرض. ثم يؤثر على أدائك اليومي، فتشعر بالنجاح من الخارج ولكنك فارغ من الداخل، فتلجأ إلى الحلول السريعة للبعد عن هذا الأمر وقد يتصاعد الأمر وتلجأ لا قدر الله إلى المخدرات أو الكحول.
ولكي تعرف إذا كان لديك صراع أو توتر بين الذات الداخلية والخارجية فحاول أن تحديد الفجوات بين قيمك الحقيقية وأفعالك الخارجية، وعليك القيام بالتالي:
أجلس مع نفسك في خلوة حقيقة واكتب قيمك الأساسية، مثل الإيمان بقيمة الصدق والنزاهة والصداقة والمساعدة للآخرين وغير ذلك.
بعدها قم بعمل قائمة بالأنشطة التي تقوم بها كل يوم بما يتماشى مع كل قيمة من القيم الأساسية التي كتبتها، قول الحقيقة، الاتصال بالأصدقاء لمعرفة ما يفعلونه، خدمتك لأحد دون مقابل.
بعدها رجع للقيم الأساسية التي كتبتها وشوف القيمة التي ما سويت فيها شيء وأبدأ بدعمها وتقويتها، لأن هذه القيمة التي ستجد أن نفسك تتصارع فيها.
فمثلاً: إذا كنت تقدر الصداقة ولكنك تقضي كل يوم بمفردك، فهذا يعكس تضاربًا بين قيمك الداخلية وبين أفعالك الخارجية.
هذا الأمر سوف يوازن بين ذاتك الداخلية والخارجية، فبمجرد تحديد المجالات أو القيم التي لديك إشكالية فيها بحياتك عليك فوراً ببدء تهدئة نفسك الخارجي بهدف التواصل مع نفسك الداخلية. تمهل، وركز على اللحظة، واستمع لأفكارك وأنت تمضي في يومك وحياتك بشكل سلس وجميل.
لكن إذا قمت بهذا الأمر ولا تزال تشعر بأنك في صراع، ففكر فيما إذا كنت قد تحتاج إلى إجراء تغييرات جذرية في حياتك لمعالجة هذه المشكلات. مثل تغيير المدينة أو تغيير مكان عملك أو نوعه، أو البعد عن بعض الأصدقاء وكسب أصدقاء جدد.
لكن المؤكد عندما تقوم بهذا الأمر أنك ستعرف ما هي التغييرات المحددة التي قد تساعد في مواءمتك مع نفسك الداخلية الحقيقية. ولا يمنع أثناء التفكير في التغييرات التي تحتاج إلى إجرائها، قد يكون من المفيد أن تسأل نفسك الأسئلة التالية:
o هل تتطلب حياتك الحالية أن تترك بعض القيم الراسخة؟
o ما هو أكثر شيء تريد أن تحققه في حياتك؟ وهل هذا يتطابق مع ما تفعله الآن في حياتك؟
o هل ستشعر بالرضا عن الخيارات التي تتخذها في نهاية حياتك؟
واختم بقولي بأنك قد تكتشف أن الأمر بسيط ولا يحتاج إلى القلق الكبير وأنه بشيء من التعديل تستطيع أن تتجاوز الأمر بسهولة وأن الصراع بين أنفسنا الداخلية والخارجية ليس كبيرًا ولا يتطلب الكثير لمعالجته.
** **
محمد بن معبر - جامعة الملك فهد للبترول والمعادن