لعل من السمات الطاغية لأبناء هذا العصر، تلك الفاعلية العجيبة في التغيير، ومسايرة التقنية في شتى جوانبها، والاندماج مع كل ما هو جديد.
فتجد لوحة المفاتيح في الهواتف المحمولة، والأجهزة اللوحية أشبه بلعبة، تتراقص عليها أصابعهم بانسيابية تامة.
ويخيل إلي لو استحدثت، مسابقة للكتابة عليها لخرجنا بأرقام قياسية جدا، في سرعة إنجاز كتابة الفقرات.
مثلما كانت تطبق على شروط اجتياز وظيفة السكرتارية، بكتابة عدد من الكلمات في الدقيقة الواحدة.
ومع هذا الانتشار الهائل، والتسهيلات والتحديثات المتسارعة في تقنية الهواتف.
بات الهاتف، أشبه بحافظة إلى جانب وظيفته الأساسية.يحوي كل الحروف متناثرة ومجتمعة في قوالب يتم تخزينها لحين الحاجة.
فقّل بذلك توظيف القلم للتدوين، والاستعاضة عنه بلوحة المفاتيح والنقر عليها،إلا من بعضها التي ترفق القلم في أجهزتها. حيث لم يعد ضم الثلاثي، الإبهام والسبابة والوسطى سائدا. فأضحى الابهامان، يشكلان دينامو الحركة في النقر على الهواتف النقالة. حيث يتكفل الإبهام الأيمن بما يجاوره من حروف أقصى اليمين وانحدارا لنفس الجهة. في حين يمارس الإبهام الأيسر ما درج في جهته صعودا ونزولا.
أما مفكرة الهاتف فهي الأفضل في التدوين، لعدم اضطرار حمل الورقية منها في كل حين.
وما يجب أن ننتبه اليه الآن هو، هل حركة الأصابع السريعة التي يمارسها الكثرة الآن قد ينتج عنها أي مشكلات صحية قد يتعرض لها المدمنين على الجوالات؟ في حين أننا نستأنس بل ونستحسن ما نشاهده جهلا منا.
وعلى غرار ما يحدث، لبعض الاختصاصيين في الأعمال التقنية عند توظيف عضو دون آخر، والتركيز عليه فتحدث التشوهات الجسدية إثر ذلك.
في حين أن توظيف اليدين بمعظم أصابعها، كان سائدا قبلها في الكتابة.
ويتمثل ذلك في الكتابة على الآلة الكاتبة،التي ظهرت في القرن السابع عشر وما توالى ذلك، من تحديث لها حتى استقر بها الحال إلى ما نعرفه الآن.
وينقلب ما نحسبه من مهارة وإتقان لافت للنظر، عند البعض أو قد يحسبه آخرون تمكن وقدرة،يشكل عائقا في يوم من الأيام نتيجة إدمان الكتابة على الأجهزة الحديثة.
حيث غزت التقنية كذلك الرسامين،فحدثت من طرقها باستخدام الرسم التقني وتم استبدال الفرشاة الحقيقية التي تقطر ألوانها ويسمع وقع أثرها كما يسمع صرير القلم على الورق.
وهنا نجد أن الهوة تتسع، فيما قد يحدث تبعا لذلك من ما يسمى بأمراض العصر التي لن يقتصر تأثيرها على الجسد فقط بطبيعة الحال.
حيث أصبح ارتباط البعض بأجهزتهم أشبه بادمان نتج عنه ما يسمى بالنوفوموبيا وفق تعريف قاموس جامعة كامبريدج برهاب فقد الهاتف وعدم التمكن من استخدامه.
ولا نستغرب أن هناك بلدان اوجدت مصحات للتخلص من إدمان استخدام الهواتف النقالة.
يبقى أن يختار العاقل كل ما من شأنه أن يضيف اليه دون أن يلحق ذلك أضرارا. سواء عليه، أو على مجتمعه فيأخذ من هذا وذاك النافع ويترك ما قد يتراكم على أثره أي معيقات قد تتشكل مستقبلا.
(المثقفون يأتون لحل المشاكل بعد وقوعها والعباقرة يسعون لمنعها قبل أن تبدأ) البيرت اينشتاين.
** **
عائشة بنت جمعة الفارسية - سلطنة عمان