د.شريف بن محمد الأتربي
اجتاح كوفيد19 كافة مناطق العالم لم ينج منه أي مجتمع سواء كان متقدمًا أو يحاول اللحاق بركب التقدم، وكانت المجتمعات المتأخرة أكثر المجتمعات تضررا من هذا الوباء، وأضررت كافة مجالات الحياة ومنها التعليم بالطبع.
لقد كان التوجه نحو التعليم الإلكتروني، أو التعليم عن بعد، أو التعليم المدمج، أو غيرها من المسميات التي نعت بها هذا النمط من التعليم، ورغم أنه حقق الهدف منه خلال فترة الجائحة إلا أن هناك الكثير من الاتجاهات المعاكسة التي تعيق تقدمه وتوظيفه بالشكل الصحيح ضمن إطار ومنظومة العملية التعليمية سواء على مستوى التعليم العام أو التعليم الجامعي.
لعل من أبرز التحديات التي تواجه هذا النمط من التعليم هو الاتفاق على مفهومه أولا، وآلية تطبيقه ثانيا، وأخيرا تقويم عملياته وربطها بأهداف التعليم ضمن سلسلة من المعايير المترادفة والمترابطة لتحقيق أفضل استفادة منه كنظام، وتحسين المخرجات المتوقعة، وسد أية فجوات قد تنتج عن استخدامه وتفضيله على غيره من الأنظمة.
وبالنظر للتحديات الثلاثة التي تقف في اتجاه تعميم استخدام هذا النمط من التعليم نجد أن الاختلاف على المفهوم هو أكبر تحدٍ يمكن أن يواجه أي نظام أو توجه في أي مجال من المجالات، فما بالنا بالتعليم الذي يعد صاحب النسبة الأكبر من عدد المستفيدين منه على مستوى العالم أكثر من أي شيء آخر.
ومفهوم التعليم الإلكتروني يشمل عدة مفاهيم أخرى سبق وأن طرحتها في أكثر من مقال، ودونتها في أكثر من كتاب، وقد عرفت عمادة التعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية التعليم الإلكتروني بكونه: وسيلة من الوسائل التي تدعم العملية التعليمية وتحولها من طور التلقين إلى طور الإبداع والتفاعل وتنمية المهارات، ويجمع كل الأشكال الإلكترونية للتعليم والتعلم، حيث تستخدم أحدث الطرق في مجالات التعليم والنشر والترفيه باعتماد الحواسيب ووسائطها التخزينية وشبكاتها. ولقد أدت النقلات السريعة في مجال التقنية إلى ظهور أنماط جديدة للتعلم والتعليم، مما زاد في ترسيخ مفهوم التعليم الفردي أو الذاتي؛ حيث يتابع المتعلم تعلّمه حسب طاقته وقدرته وسرعة تعلمه ووفقا لما لديهِ من خبرات ومهارات سابقة. ويعتبر التعليم الإلكتروني أحد هذهِ الأنماط المتطورة لما يسمى بالتعلم عن بعد عامة، والتعليم المعتمد على الحاسوب خاصة. حيث يعتمد التعليم الإلكتروني أساسا على الحاسوب والشبكات في نقل المعارف والمهارات. وتضم تطبيقاته التعلم عبر الويب والتعلم بالحاسوب وغرف التدريس الافتراضية والتعاون الرقمي. ويتم تقديم محتوى الدروس عبر الإنترنت والأشرطة السمعية والفيديو والأقراص المدمجة.
ورغم وضوح التعريف وتركيزه على أن استخدام أي وسيلة تقنية من قبل المعلم لتيسير سبل التعلم على المتعلم؛ إلا أن الخلط في المفهوم لازال واقعا، فهناك من يشير إلى التعليم الإلكتروني إلى كونه نظامًا إلكترونيًا للتعليم، حيث يأتي في التعريف أنه: نظام تفاعلي للتعليم يقدم للمتعلم باستخدام تكنولوجيات الاتصال والمعلومات، ويعتمد على بيئة إلكترونية رقمية متكاملة تعرض المقررات الدراسية عبر الشبكات الإلكترونية، وتوفر سبل الإرشاد والتوجيه وتنظيم الاختبارات وكذلك إدارة المصادر والعمليات وتقويمها.
وهذا التعريف وما يماثله من تعريفات أخرى، يركز فقط على تقنية محددة وهو نظام إدارة التعليم الإلكتروني LMS دون النظر إلى الوسائط التقنية الأخرى، أو الأنواع الأخرى للتعليم الإلكتروني.
وينبثق من تعريف التعليم الإلكتروني تعريفات أخرى، مثل: التعليم عن بعد، والتعلم المدمج، والتعلم المتزامن وغير المتزامن، وغيرها من التعريفات التي لازالت تربك المجتمع التعليمي وتشغله عن الهدف الأسمى من استخدامه وهو تيسير سبل التعلم على المتعلم.
ويأتي التطبيق كثاني الاتجاهات المعاكسة في توظيف التعليم الإلكتروني لصالح المتعلم، حيث يكتفي بعضهم بتوفير أدوات التعليم الإلكتروني المتعددة- مع اختلاف نوعيته - مثل:
المحادثة chat، والمؤتمرات الصوتية Audio Conferences، ومؤتمرات الفيديو Video Conferences، وبرامج القمر الصناعي (Satellite Programs)، والبريد الإلكتروني E-mail، ومجموعات النقاش Discussion Groups، والفيديو التفاعلي Interactive Video، والقوائم البريدية Mailing List، وغيرها من الأدوات.
كل هذه الأدوات وغيرها من الأدوات الحالية أو التي سيتم استحداثها مستقبلا- خاصة مع التوجه نحو توظيف تقنية الذكاء الاصطناعي، واستخدام البيانات الضخمة، إلى جانب تحسين تقنية تعلم الآلة - تقف بدون أي فائدة بدون تدخل العنصر البشري الذي يقوم على بناء خطط التدريس الفاعلة المستعينة بهذه الأدوات لتحقيق أهداف العملية التعليمية وتيسير سبل التعلم على المتعلمين، والتحول من التعلم التلقيني إلى التعلم المتمحور حول المتعلم، وتطويع كافة الذكاءات التقنية التي توفرها هذه الأدوات للعبور بالمتعلم من مستهلك للمعرفة إلى منتج لها.
وتأتي عملية التقييم والتقويم في التعليم الإلكتروني كواحدة من أهم الاتجاهات المعاكسة التي تواجهه، فلازالت هذه القضية هي الشغل الشاغل للتربويين والأكاديميين، وأصحاب الأعمال والجهات الرسمية، خاصة فيما يتعلق بالاعتراف بنتائج التعليم الإلكتروني أو اعتماد شهاداته.
ويعرف (الغريب إسماعيل زاهر، 2009) التقويم الإلكتروني بأنه: «عملية توظيف شبكات المعلومات وتجهيزات الحاسوب والبرمجيات التعليمية والمادة التعليمية المتعددة المصادر باستخدام وسائل التقييم لجميع وتحليل استجابات الطلاب بما يساعد المعلمين على مناقشة وتحديد تأثيرات البرامج والأنشطة التعليمية للوصول إلى حكم مقنن قائم على بيانات كمية أو كيفية متعلقة بالتحصيل الدراسي».
ومن أهم أدوات التقويم الإلكتروني التي يمكن استخدامها، أداة الاختبارات، وأداة الواجبات، وملف الإنجاز، ولوحة النقاش، وغيرها من الأدوات التي يمكن استخدامها في تقييم وتقويم التعليم الإلكتروني سواء كان متزامنا أو غير متزامن أو بأي شكل آخر من أشكاله.
وتشير دراسة ( عثمان محمد المنيع، 2018) إلى موضوع الغش كأحد أهم عوائق تطبيق واستخدام التعليم الإلكتروني حيث ذكرت نتائج الدراسة: «أن مستوى الغش الأكاديمي في التعليم الإلكتروني مرتفع، وأن أبرزها اقتباس الواجبات الدراسية من الإنترنت دون تحديد المصدر، ونسخ العبارات من الإنترنت دون إضافات من الطالب.
ويترادف مع هذه النظرة السلبية نحو التقييم والتقويم في استخدام التعليم الإلكتروني كنظام تعليمي نظرة أخرى أشد قسوة وهي عدم معادلة الشهادات الحاصل عليه المتعلمين عبر هذا النظام خاصة في نظام التعليم الإلكتروني عن بعد، حيث يصدم المتعلمون بكثير من العقبات التي تحول دون حصولهم على اعتماد أكاديمي لدرجتهم العلمية الحاصلين عليها عبر هذا النظام، مما يجعل الكثير منهم يحجم عن الخوض في تجربة تعليمية قد تنتهي بفشل الحصول على شهادة معتمدة.
رغم كل هذه الاتجاهات المعاكسة، والتي تعيق وتؤثر على انطلاق نظام التعليم الإلكتروني كواحد من أفضل أنظمة التعليم في العصر الحالي إن لم يكن أفضلها لما يتميز به من مميزات متعددة تفضله على غيره من الأنظمة إلا أن انطلاق النظام والتوجه إلى تعميمه هو الأقرب من وجهة نظري، ولكن لا ينبغي أن يقف المتخصصون فيه وقفة المشاهد فقط، بل عليهم أن يعملوا على تذليل كل العقبات والمشكلات التي تقف في الاتجاه المعاكس له وتوفير حلول منطقية وعادلة لتطبيقه.
** **
- مستشار تدريب وتعليم