د.محمد بن عبدالرحمن البشر
تعرضت تركيا وسوريا الشقيقتان إلى فاجعة زلزال مدمر كانت نتيجته عشرات الآلاف من القتلى، ومئات الآلاف من المصابين، وملايين من المشردين في تلك البلاد الشقيقة التي أصابها الزلزال بدرجة 7.8 على مقياس رختر في الساعة 4:30 صباحاً، ومعظم الناس كانوا رقوداً في منازلهم، ينتظرون صباح يوم مشرق، يذهبون فيه إلى أعمالهم ومدارسهم وكلياتهم، لكن الله أراد ما أراد، ولله في ذلك حكمة، والحمد لله على كل حال، حقاً لقد كان جرحاً غائراً في قلوب من لهم قلوب، فما حدث فوق أن يتخيله الإنسان، وذلك لعظمة المصاب، وعدد الضحايا، ومقدار الدمار الذي حل بتلك البلاد الكريمة، نرجو من الله سبحانه وتعالى لمن مات منهم العفو والغفران، وأن يتغمدهم الله برحمته ويدخلهم فسيح جناته، وأن يشفي المصابين، وأن يعوض على الأحياء ما فقدوه من والدين وأبناء وزوجات وأحباب وجيران، و ( إنا لله وإنا إليه راجعون ).
قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}، قال الطبري وهذا إخبار من الله تعالى أنه مبتليهم وممتحنهم بمشقات في جميع الأمور ليعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه، كما ابتلاهم وامتحنهم من قبل، وقد وعدهم ذلك في آية أخرى فقال لهم: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ}، ويقول ابن عباس، إن الدنيا دار بلاء وإنه مبتليهم فيها، وأمرهم بالصبر، وبشرهم، فقال: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} ثم أخبرهم أنه فعل هذا في أنبيائه وصفوة خلقه فابتلاهم في أنفسهم فقال تعالى: {مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ}.
ما تم تدميره ليس سكان مدينة فحسب، وإنما مقاطعات بأكملها، ومدن بأكملها، وتهدمت مدن وقرى وأرياف إلى أن بلغ في بعض المدن 50 % وباقي المباني تحتاج إلى إزالة ولا شك أن الأمر جلل وقد نقلت لنا وسائل الإعلام المختلفة صوراً موعظة في تلك الفاجعة وكيف كان الدمار وكيف تشققت الأرض، وأيضاً قدمت لنا الجهود الجبارة التي يقوم بها بعض الأخيار لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأنفس، وقد رأينا من خرج سالماً أو مصاباً بنسبة قليلة لكنه، مازال على قيد الحياة بعد أكثر من نحو ثلاثمائة ساعة أي بعد اليوم الثالث عشر من ذلك الحدث الجلل، فمن كتب الله له الحياة سيبقى حياً، ومن أراد الله له الممات توفاه الله، والموت مصير كل حي بلا شك.
بعد وقوع الزلزال هبت المملكة العربية السعودية رسمياً وشعبياً لمساعدة إخوانهم في تركيا وفي سوريا وسارعت في تقديم ما يمكن تقديمة متجاوزة في ذلك كل العقبات، وحريصة على أن تقوم بواجبها الإنساني الذي دائماً ما تفعله في جميع بقاع الدنيا، كما ساهمت دول أخرى في ذلك المجهود العالمي للتخفيف من هذا المصاب الجلل، وكلنا نعرف أن ذلك الجهد المقدم إلى الدول المصابة، ما هو إلا بداية لعمل بدأ شاقاً وسيكون شاقاً وطويلاً، ويتطلب أيضاً إزالة ما خلفه الدمار والتخلص من كثير من المباني الآيلة للسقوط، وبعد ذلك بناء بنية تحتية جديدة بما فيها من خدمات عامة، ثم إقامة مبانٍ ترتكز على قواعد أساسية لمقاومة الزلازل، لأن هذه المنطقة تقع على الصدع الواقع بين الصفيحتين الأوراسية والعربية، ومن المعلوم أن المملكة العربية السعودية وعدت بأن تكون من السابقين إلى المساهمة في إعادة البناء، ومواصلة مسيرة الخدمة الإنسانية التي دأبت عليها منذ طويل.
الزلازل والمحن مرت على الكرة الأرضية عبر الأزمنة المتعاقبة بدرجات متفاوتة، وفي الفترة التي عاشها بعض منا رأى أو سمع بما حدث من سونامي أصاب اليابان وإندونيسيا وغيرهما، ومات بسبب ذلك ملايين البشر، وتدمرت مبانٍ، وضاعت أموال، ولقد رأينا بأم أعيننا كيف أن الماء القادم من البحر يدفع بالسيارات والمباني، وكأنه أحد اللاعبين الذين يلعبون بالكرة، حمانا الله وإياكم من كل مكروه، ولانزال نسمع عن زلزال هنا أو هناك، أو تايفون، أو فيضان، أوعواصف أو غير ذلك من الكوارث الطبيعية التي لابد أن يتعايش معها الإنسان، وأن يسعى جاهداً لتلافي آثارها المدمرة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، ولا شك أن تصميم المباني لمقاومة الزلازل تلعب دوراً هاماً وكبيراً في الحفاظ على البناء، ومن ثم الحفاظ على البشر والممتلكات، وأن يكون هناك قواعد خاصة متميزة وأساسية لبناء في الدول التي تقع على الصدوع القابلة للزلازل، كما هي الحال بين تركيا وسوريا، أيضاً تلك المناطق التي تتعرض للعواصف وقد استطاع سكان تلك المناطق القادرين، بناء الحواجز للتخفيف منها، كما أن العلم الحديث قد أمكنه الوصول إلى التوقعات لكي يكون هناك وقت كافٍ عند الناس للنزوح من منازلهم حتى زوال العارض المؤقت، بينما لا يمكن التنبؤ بالزلازل حتى قبل وقوعها بدقائق محدودة، ولابد للعلم في يوم ما من أن يصل إلى درجة كافية لتلافي مثل هذه الحوادث.
بقي أن نقول إن الأرض في مسيرتها الطويلة التي بلغت نحو ثلاثة عشر ملياراً ونصف السنة تعرضت للكثير من الزلازل والبراكين والعوارض الطبيعية الهائلة وسقوط النيازك والجفاف والأوبئة والأمراض فانقرضت خلال ذلك من الكائنات الحية الكثير، وبقي الكثير ولله في خلقه شؤون.