لم تسعفني ظروفي العملية والخاصة من التشرف بزيارة هذا المهرجان والذي باعتقادي يقام للمرة الأولى أو على هذا الشكل والمستوى، بجهود المسئولين القائمين عليه وبتوجيهات سامية من مقام خادم الحرمين وسمو ولي العهد الأمين -حفظهما الله- وإشراف مباشر من صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن نواف أمير الجوف -سلمه الله-.
ومع أن المشاهدات الإعلامية انفردت بتغطية نشاط الإنسان الجوفي إلاّ أن الإبل تبقى معشوقه ابن الصحراء، وحتى هذا الإشعاع القادم من المهرجان يبهج ويفرح بجزيئاته وتفاصيله ويضع بعض النقاط الغائبة عن المشهد الجوفي الحقيقي:
ياما حلا والشمس باد شعقها
من حدر الزرقاء على نقرة الجوف
كم حايلا للضيف نجدع شنقها
يقلط حثث ماهو على الزاد مردوف
ويقول الآخر:
ما قيل في غرس حلنا قد تجرنا
وما قيل صَك الباب وافق غدانا
الجوف العراقة، الجوف التاريخ، الجوف الحضارة، تلبس اليوم عباءة الأصالة في مهرجان اسمه «مزاد الإبل»، في حين أن ما تناقله الإعلام التقليدي والجديد والجانب المشرق منه بكل أشكاله هو لباس اللحمة الوطنية في مكونات المجتمع الجوفي حاضرة وبادية، تسامت في خلجات أهلها وزوارها كل معاني الوطنية وحب الوطن ارتقاءً من نقرة الجوف إلى جوف الوطن، جهود تُذكر وتُشكر لكل من وضع لبنة في هذا المسار وتسامى عن كل ما يمكن أن يعكر صفو المجتمع، وبعيدًا عن كل ما يمكن أن يتجاوز الوطن حباً وولاءً وانتماءً.
للجوف ركائز حضارية راسخة تجلت بانصهار كل الأطياف في قلب الجوف ويبقى ماضيها راسخاً وحاضرها تاج تتزين به هامات أهليها بعلو قامة زعبل وشموخ مارد وعمق التاريخ، كما شواهد آثار «الرجاجيل»، وموطن الإنسان الأول، والشجرة المباركة والحلوة عطاء من الله في أرضها.
المهرجان وكأول احتفالية يقودها حب الإنسان للوطن، والإنسان داخل قلب الجوف، تلاشت المفرقات وتعاظمت الموحدات الوطنية، وتبقى الجوف جوف الحضارة والإنسان في عبق التاريخ والقلب النابض لكل ما فيه. جميلة هي تلك الزيارات التي تباهت بضيوفها قبل مستضيفيها، صغارها قبل كبارها وأهلها مثل ضيوفها، هذا هو حب الوطن أولاً وأخيراً يسيطر وينقش على جبين الزمن يستذكره الآباء من الأجداد ويغرس زاد للأحفاد. وكم كانت هذه الاحتفالية جميلة وهي تتوافق مع ملاحم الوطن احتفالاً بيوم التأسيس لهذا الكيان العظيم.
نقطة مضيئة: نقدر حماس الشباب في هذا المهرجان ونشاطهم في وسائل التواصل الاجتماعي (وهم مقدرون ومشكورون)، لكن لتكون الصورة أهم وأعمق وأكثر شمولية بحاجة إلى ضوابط وسنن جماعية تعكس روح وغاية المهرجان.
شكرًا سمو أمير منطقة الجوف، شكرًا لكل ذي بصمة نقلت لنا الجوف حين عز أن نكون فيها.
** **
- الرياض