د. محمد بن إبراهيم الملحم
التعليم الفني لدينا يحاول أن يقدم شيئاً للوطن فلجأ إلى معاهد متخصصة أنشأها بالتعاون مع شركات كبرى في المملكة وتخرّج هذه المعاهد فنيين يعملون في تلك الشركات وغيرها من الشركات الراعية والمتعاونة، وهو استلهام لنموذج أرامكو في تدريب الفنيين ولم يعد ذلك خافياً وأرى أن هذه المعاهد يجب أن تتطور وتنمو بطريقة أسية مع تطور آخر يوازيها إن أردنا أن تكون بلدنا بلداً منافساً اقتصادياً، وذلكم التطور هو التصنيع، وأقصد به التصنيع الأساسي لا التصنيع الخدمي، حيث نتمكَّن من إنتاج القطع الأساسية للأجهزة والمعدات وربما المعدات نفسها بالكامل، لدينا مقومات ممتازة لتكوين بيئة صناعية من هذا النوع ويمكننا منافسة الصين فموقعنا التوزيعي منافس، ولا يلزم منه أن تعمل مصانعنا في المدن الحالية وإنما تنشأ مدن جديدة كل منها يخصص في مجال من المجالات وتضم كيانات اجتماعية تشغل هذه المصانع، سواء كان سكانها من أبنائنا أو من أبناء أشقائنا العرب والمسلمين، فالمملكة بلد الخير لكل العالم، ولا أقصد به عدم السعودة وإنما دعم السعودة بالخبرات الأجنبية مرحلياً بطريقة الظل shadowing وبأسلوب مخطط له حتى تصبح كل المصانع سعودية مائة بالمائة في مرحلة قادمة، وأنه بدون التعليم الفني والمهني «المتميز» تقنياً ومنهجياً وتربوياً فلن نتمكن من تشغيل مثل هذه المصانع، ويضاف لذلك أنه بدون مشاريع صناعية جبارة تدعمها الدولة وتخطط لها فربما نتفاجأ مستقبلاً بتوقف الحاجة إلى التوسع أكثر في التعليم الفني والمهني مع أنه هو مستقبل التوظيف لفئة كبيرة من أبنائنا في بيئات صناعية طموحة على النحو الذي أشرت إليه.
اليوم يوجد أبناؤنا الفنيون بكل جدارة في مؤسسات التصنيع الكبرى خاصة في مجالات الزيت والغاز ومنتجاتها الكيميائية كما هو مشاهد في سابك وصدارة ومعادن وأمثالها، بينما يحتاج اقتصادنا أن يتجاوز هذه المجالات إلى التصنيع الخدماتي كما وضحت آنفاً مثل تصنيع الجوالات والإلكترونيات وربما السيارات والمكائن، وأرى أن التصنيع العسكري يمكن أن يكون نقطة القيادة لمثل هذا المستقبل خاصة أن مشاريعه التصنيعية تنشأ في حضن الدولة فتتسم إدارته بانضباطية عالية لا يمسها الخلل وحوكمتها ضمن نظم مجربة ومعروفة، كما أن أنموذجه المالي يسمح له بالديمومة لأفضل فترة ممكنة في مرحلة التأسيس فلا يشكوى من مرض جرأة رأس المال، ومنه يمكن أن تنطلق لاحقاً لدى القطاع الخاص بقية قنوات التصنيع أو أغلبها في تدرج محكوم ومخطط بما يوفر التمكين لهذا القطاع بكل ثقة واطمئنان. هذه أمنية أتمنى أن نراها ماثلة للعيان ليتقدم بلدنا في مواطن المنافسة والجدارة الدولية أكثر مما وصلت إليه اليوم ولله الحمد، وهو جدير بذلك بكل استحقاق، إن ظهور مثل هذه المصانع سيوفر آلاف الفرص الوظيفية، بل سيجذب مزيداً من المصانع الأجنبية لتنتقل للمملكة بكاملها مع رؤوس أموالها متى ما توفرت الأيدي العاملة المناسبة من خلال التعليم الفني السعودي المتمكن كما أشرت إليه، وحينذاك تزيد قوة المملكة الاقتصادية لتكون صيناً مصغَّرة لإقليم الشرق الأوسط وربما أبعد من ذلك.
** **
- مدير عام تعليم سابقاً