محمد بن عبدالله آل شملان
حين يورق الفخر
تحدو بك العيس على ذلك الإيقاع الكوني الخالد، خلود الحياة الإنسانية إلى أن يشاء الله.
ويرتسم الإيقاع على أديم الرمال، ليضفي على الذاكرة نبضات هذا العصر بتموجاته وازدحامه.
تحدو بك العيس وهي تطبع نفحات أزلية، فيمتزج الرمل بالشوق بالمعاناة بالحل والرحيل.
شوامخ شاخصات كالقلائد، تربعت فوق صفحات البيد، وعرائس تألقت، تحمل عناوين حضارة وأشواق نجدية عبقة، تحمل نبضات الفرح مشكلة أجمل وأرقى منظومة إنسانية مستوعبة معطيات هذا العصر؛ لتضفي عليه من شخصيتها وخصوصيتها وثقافتها، فتبقى رموز الثقافة الأصيلة راسخة وضاءة، مهما أثقلتها موجات الحضارة المدنية.
إيقاع هذا العصر يومض سريعاً، يبرق، يبهر، لكن رئة الصحراء العربية التي تناغمت مع إيقاع الإبل واحتضنت بصدرها الواسع شتى ألوان الثقافات أثبتت جدارتها وقدرتها على ولوج حضارة هذا العصر، من شتى الأبواب وكافة المداخل، لا لتقف متفرجة فحسب، بل لتتفاعل مع مفردات هذه الحضارة وتصوغ ما يناسبها عقيدة وثقافة وأصالة ومعاصرة، وينتهي الترحال، ويبقى الحل حيث حلت الحضارة، والتصق الإنسان بالأرض يبني فوقها آمال المستقبل، ويخطو إلى مدن الشمس والأمل والغد الواعد.
التأسيس تاريخ ومصير
انبثق فجر تأسيس وطننا منذ 300 سنة، حيث الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود بن محمد بن مقرن - رحمه الله -، وبذلك اجتمعت المملكة بمناطقها تحت راية وطن واحدة، وانطلق في مسيرة التطور والرقي والازدهار يشق طريقه بكل عزيمة وإرادة وإصرار، ويقطف المنجزات، منجزاً وراء منجز، في ظل تكاتف القيادة والشعب في الدولة السعودية الأولى ثم الثانية ثم الثالثة.
إن الثاني والعشرين من شهر فبراير عام 1727م الذي علا فيه علم مملكتنا الغالية عالياً خفاقاً مؤذناً بالتأسيس المبارك هو يوم تاريخي بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى ومبنى، هو نقطة البداية التي رسمت مصير وطن بأكمله، وسهلت الطريق لانطلاقة مضيئة، مرتكزها التلاحم والتعاضد والتآزر بين جميع مكونات المجتمع وأطيافه، واصطفاف مختلف الفئات والشرائح وراء القيادة الرشيدة، إنه نقطة فارقة بين حياة وحياة، بين حياة ما قبل التأسيس وما كان فيها من عناء وتفرق وقلة ذات اليد، وبين حياة ما بعد التأسيس وما حصل بنتيجته من الرخاء والاطمئنان وبحبوحة العيش والتطور النوعي المذهل في جميع مجالات الحياة، الصحية والتعليمية والثقافية والاقتصادية والرياضية والاجتماعية وغيرها.
الوطن في الشعر
لَكَمْ نظم الشعراء بالغزل في قصائدهم، وقام الملحنون بالعزف في ألحانهم، إعجاباً وافتخاراً واعتزازاً بـ»الوطن» وقادته.
لقد استطاع هذا الوطن، بفضل رؤيته الطموحة 2030، ترسيخ مكانته مركزاً عالمياً متنامي الأهمية في مسار المال والأعمال والتجارة والسياحة والثقافة، ليصبح هذا الوطن الذي وضع أسسه الإمام محمد بن سعود بن محمد بن مقرن - رحمه الله -، المركز الأول في مؤشر نضج الخدمات الحكومية الإلكترونية في عهد الملك سلمان على مستوى العالم وفق ثلاثة مؤشرات فرعية، ومن بين 18 دولة.
المملكة العربية السعودية شدّت انتباه العالم أجمع، وما زالت تبهره بشكل مستمر، لإنجازاتها الراقية وتنافسيتها الدائمة لدول العالم، كما تمكنت من إجبار الإعلام العالمي على متابعة تقدمها ومنجزاتها المذهلة.
وعلى وقع ذلك الفخر والإعجاب تهادى «الوطن» فاتح الآفاق أمام خيال الشعراء، الذين عبروا عن عشقهم ومودتهم لذلك الوطن المبارك الذي ضرب المثل في الريادة والعطاء والإنجاز.
عبدالرحمن بن مساعد.. شاعر البرواز
كما نخلة في نجد طلعها نضيد، وكما جبل في الأحساء شامخ وتليد، كالغيث رخاء وكالقمر ضياء، وكالشمس عطاء، حاضر بهي كالقصيدة العربية، فريد كما الضاد في الأبجدية، سامق كالشرف، وفيٌّ كالكلمة الصادقة.
جاء لينسج بحروفه لغة جديدة ورؤى وأفكاراً أكثر جدية.
استقى ثقافته الواسعة من أمهات الكتب ومصادر المعرف وتجارب الشعوب وآراء القدماء والمحدثين.
خادن الشعر وصاحب النثر.. فامتزجت حروفه بلغتيهما إلى حد الاختلاف والاندهاش، أقام في الرياض حيناً من الدهر اتسعت فيها مداركه وتشعبت قراراته.. ثم شد رحاله إلى بيروت ففرنسا وغيرهما من مدن العالم حيث الأدب والموسيقى والآثار والمتاحف، وحيث جيل الرواد.. فكان أن التصق بهم، وصاحبهم في رحلته الشعرية.
الأمير عبدالرحمن بن مساعد له مشاعر وطنية كبيرة ومتيقظ ذهنياً وضمير حي، كان هو المحرك في كل ما يكتب بقلمه ويتأمل بعقليته، وله جرأته ولغته الراقية، وقد أثبت وجوده، وكسب احترام أبناء الوطن من المثقفين والشعراء، كمثقف وشاعر وطني وعربي مسلم غيور.
وقد كانت سعادتنا كبيرة ونحن نتابع تكريم هذا الأمير الشاعر الإنسان في تكليفه من وزارة الثقافة وهيئة المسرح والفنون الأدائية بإشرافه العام على المسرحية الغنائية «معلقاتنا امتداد أمجاد» الذي هو صاحب فكرتها، المقرر عرضه في المملكة بالتزامن مع يوم التأسيس الموافق 22 فبراير في مسرح جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن بالرياض وعلى مدار 10 أيام، ضمن حزمة من الفعاليات التي ستنظم بهذه المناسبة.
الاعتزاز والفخر
هناك أزمنة لن تبرح الذاكرة، تتجمل بإنجازها عتبات الزمن، ناشرة رسائل اعتزاز وافتخار تتناقل بين الأجيال.
في ذكرى اليوم الوطني الـ87، نشر الشاعر الأمير عبدالرحمن بن مساعد بن عبدالعزيز آل سعود، كتاباً من كتب المجد، محمَّلاً بزهو الأمير ومغلفاً بوجدان الشاعر، وثَّق فيه مشاعر كل سعودي بمرور 87 عاماً على توحيد المملكة العربية السعودية:
هنا الكعبة وأرض النور
هنا إبراهيم وما شيد
هنا قال الدعا المأثور
بأمن ورزق يتجدد
هنا نزلت سبأ والطور
على سيد البشر أحمد
هنا تضم الصحابة قبول
هنا التوحيد يتأكد
هنا دين الله المنصور
هنا التاريخ يتشهد
هنا يبقى العدو مدحور
هنا الأوهام تتبدد
هنا حب الوطن محفور
بنا من قبل ما نولد
هنا أهل النهى والشور
وشعب المملكة موحد
وخير المملكة موفور
وهي بعيالها تسعد
هنا يملى النفوس شعور
بفخر باذخ سرمد
سعودي في الفخر معذور
فمجدك دونه الفرقد
للوطن في ثنايا دواوينه قصائدُ طاغية الحضور، لا يعادلها سوى حضور قصائد الحب، وكأنَّ الحب والوطن كلمتان مترادفتان في قاموس الشاعر الأمير عبدالرحمن، فهو سرعان ما ينعطف باتجاه الوطن وينادي:
قبِّلوا تراب الوطنْ
هذا الزمان أخضرْ
واشكروا مجزي النِّعَمْ
يزيدكمْ أكثرْ
كرامةٍ عزٍ وجودْ
كثِّروا لله السجودْ
وافرحوا بغيض الحسودْ
واقهروه أكثرْ
فها هو يقول مادحاً بقصيدة سامقة في خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، - حفظه الله -:
مهابٌ في الأنامِ طويلُ قامَةْ
قديمُ قديم عهدٍ باستقامَةْ
مثيلُ أبيهِ أشباهًا وفعلًا
عصيُّ الوصفِ سلمانُ الشهامَةْ
لهُ من كلِّ مكرمةٍ عُلاها
لهُ المجدُ التليدُ لهُ الزعامَةْ
وفي قصيدة أخرى، يتعالق مع قصيدة أبي فراس الحمداني «أراك عصيَّ الدمعِ شيمتُكَ الصبرُ»، فيقول مادحاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز:
نراكَ عظيمَ الحزمِ شيمتُكَ النصرُ
وما بكَ عن دحر العدا في الوغى صبرُ
فهذي رؤوسُ الغدر ذُلَّتْ وطأطأتْ
وسيفُكَ مسلولٌ يطيبُ به البترُ
فخَيِّرْ بُغاةَ الشرِّ بين حتوفِهِمْ
أأَسرٌ أم الإذعانُ ذلًّا أم القبرُ؟
وفي رائعة من روائعه، يتعالق مع المتنبي وهو يثني على سيف الدولة:
لكلِّ امرئٍ من دهرِهِ ما تَعَوَّدا
وعادةُ (سيف الدولةِ) الطعنُ في العِدا
فيقول مادحاً سمو وليَّ العهد الأمير محمد بن سلمان قائلاً:
إليهِ انتهاءُ المجد أم عنده ابتدا
هو المجدُ ليس المجدُ إلا محمدا
ولا يُعذَرُ الحسَّادُ في الغلِّ مطلقًا
ولكنَّهُ الإنجازُ يصنعُ حُسَّدا
بعيدٌ على أعدائهِ خدشُ ظلِّهِ
كبُعد الضلال الفجِّ عن واضح الهدى
ويتعجب الشاعر الأمير عبدالرحمن بن مساعد بن عبدالعزيز آل سعود، في إحدى قصائده، من الجحود الذي يقابَل به معروف المملكة، فيقول:
عجبت لأمر خيرك يا بلادي
وكيف كسا جسوم الجاحدينا
ولم أعجب لأنكِ خير أرض
وأنك قبلة للمسلمينا
أزال مليككِ التعظيم طوعاً
وبالحرمين سدنا خادمينا
ستبقين الكريمة دون منٍّ
لوجه الله لا للشاكرينا
ستنتشرين خيراً مستديماً
وينتشرون بغضاً شامتينا
وفي قصيدة أخرى يقول:
إذا هبت رياح الحقد
وكثر في الحكي مغبون
حمدنا ربنا المعطي
وعذنا به من الشيطان
وإذا زاد الغثى والهرج
زدنا لمن حسدنا عيون
تشوف الخير في بلادي
وتملا قلوبهم أحزان
وفي إحدى قصائده يقول:
بلادي .. قبلةُ الدنيا
ومأوى الطُهرِ والمجدِ
سأبقى دونها .. درعاً
وسيفاً مُرهفَ الحدِّ
(أُسلُّ لها وإن شاءت
يعودُ السيفُ للغمدِ)
ويشيد الشاعر الأمير بثمار هذه الدولة المباركة التي لا زالت حتى يومنا هذا تعطي وتورث الدروس لثمارها القادمة وتصبح أرض الجزيرة واحة متناسقة الثمار:
نحمد المتعالي المنان الله
نحمد المولى عظيم الشان الله
تألفت كل القلوب
وللرخا سارت دروب
وبلادنا بين الشعوب
هي بلاد المعجزات
الأمن سايد مستقر
والضيم ولى والفقر
بأفعالنا كل يقر
حنا أهل المكرمات
ويشهر الشاعر الأمير عبدالرحمن بن مساعد، عشقه وحبه لوطنه، ويتلو على أسماع الأرض وأهلها قصائد منجزاتنا الموشاة بجميل البيان، فجنبات وطنه أصبحت قصائد تهز الشعوب.
تغنَّ يا ابن المملكة العربية السعودية، بمعزوفات مجد لن يصلها إلا المخلصون لأوطانهم، المستعدون لتقديم أرواحهم في سبيلها.
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - يحفظهما الله - هما اللذين يصنعان تاريخ وطنهما الجديد في ظل الرؤية الطموحة 2030 بكل إبداع يخلب عقول المبدعين، ويهزّ الغيد الحسان.
لك الله كم نحبك يا بلدنا
فداك الحال والمال وولدنا
تعلمنا نحبك قبل نخلق
وقبل أعمارنا ويوم أنولدنا
غلاك في ثوان العمر ساكن
والى متنا نشيله في لحدنا
أخبر الدنيا يا ابن المملكة العربية السعودية عن مواقف المملكة الضاربة في التاريخ، وعن الآثار والحضارات التي توالت على هذه الأرض الطيبة:
نادها واصرخ بأعلى صوت
حنا حماة الدين.. خدام للكعبة
وحنا الوفا للجار
والصدق للصحبة
وحنا سيوف الحق
والعز والرهبة
أخبرهم يا ابن المملكة العربية السعودية عن ركب وطن قاد مسيرته «أئمة الدولة السعودية»، ونزلوا به واحات الأمن والأمان بنظرة ثاقبة وعزم نافذ، يتغانم الزمن للحصول على منجزات أكثر وأكثر، لا يرضى أن يكون مكانه غير المركز الأول في كل وقت وحين، وفي أي مجال وميدان.