مشعل الحارثي
قالوا لكل من اسمه نصيب ولكل مكان من اسمه عبرة وكم لمدينة الدرعية المكان وعاصمة الدولة السعودية الأولى حظ ونصيب من اسمها فهي درع نجد وقلبها ولها دورها الأساس وغير المقطوع من تاريخ وتراث ورمزية الحضارة والمسيرة الخالدة للمملكة العربية السعودية، وهي التي توهجت بإنسانها ورجالها الأفذاذ، وعرفت منذ عدة قرون، وارتبط اسمها في أذهان الناس بشكل أكبر منذ الثلاثة قرون الماضية حيث قيام الدولة السعودية الأولى.
وقد سميت الدرعية بهذا الاسم نسبة إلى قبيلة الدروع التي سكنت وادي حنيفة، حتى أسس مانع المريدي الجد الثالث عشر للملك عبدالعزيز رحمه الله في عام (850 هـ) إمارة الدرعية وكان أساسها كل من حي (المليبيد وغصيبة) واستمرت تحت حكمه بالتوارث في سلالته منذ قيام وتأسيس الدولة السعودية الأولى وسقوطها عام 1232هـ ثم قيام الإمام تركي بن عبدالله باستعادة الحكم وبدء الدور الثاني من أدوار ومراحل الحكم السعودي وإلى إشراقة الدور الثالث بقيادة موحد أرض الجزيرة وباني كيانها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن ال سعود طيب الله ثراه.
إلى (الدرعية) الغراء تسري
فتخبرها بما فعل الجنود
وتصرخ في ربى نجد جهاراً
فيسمعها إذا صرخت سعود
وابنا مقرن وهم ليوث
إذا الحرب العوان لها وقود
ففي ابناء شيخ الفضل فضل
إلى الانصاف فضلهم يقود
لقد تداعت كل تلك الصور والمعاني في ذهني وعاد بي شريط الذكريات لأيام ومقاعد الدراسة الأولى بمدينة الطائف في مادة التاريخ وأنا أستمع إلى محاضرة الدكتور بدران الحنيحن مدير إدارة الاعتماد الثقافي والتاريخي بهيئة تطوير بوابة الدرعية التي ألقاها أواخر الأسبوع الماضي بنادي جدة الثقافي الأدبي بطرحه الهادئ الجميل حيث طار بنا من ساحل بحر جدة إلى نجد وإلى درعية المجد والتاريخ والأصالة وعاد بنا إلى الجذور واستلهام تلك المنطلقات الأولى لقيام وتأسيس هذا الكيان الشامخ (المملكة العربية السعودية) فتحدث في محاضرته التي عنونها باسم الإمام عن الإمام الأمير محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى فتناول تاريخه وحياته وأبرز سماته الشخصية وفترة حكمه وإنجازاته، ثم انتقل بنا في الجانب الآخر للحديث عن الدرعية وتجول بنا وعن طريق العرض المرئي بين الكثير من معالمها التاريخية والتراثية ذات الطابع المعماري الفريد بمبانيها الطينية وقصورها وأبراجها وأحيائها القديمة مثل حي البجيري بمساجده التراثية، وكذلك حي الطريف الذي كان مقراً لحكم محمد بن سعود والذي أعلنت منظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة عام 2010م تصنيفه وتسجيله موقعاً تراثياً عالمياً، إلى جانب ما ألقاه المحاضر من أضواء على الاحتفال بيوم التأسيس الثاني وأهدافه وإيضاح معاني رموز شعاره الرسمي وارتباطه بالدرعية.
وبعد أن كانت الدرعية مجرد أطلال نالها الكثير من النسيان والإهمال لعشرات السنين بعد انتقال عاصمة الملك إلى الرياض قيض الله لها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله الذي أعاد لها الحياة من جديد عندما استصدر أمراً سامياً يقضي بتطوير الدرعية التاريخية من خلال برنامج ضخم وفاء وتكريماً لأولئك الأئمة والقادة الأبطال الذين وضعوا اللبنات الأولى لقيام هذه الدولة المباركة.
وستظل الدرعية بتاريخها وعبقها الأصيل ودورها المحوري في التاريخ السياسي للمملكة تسرج جياد المعرفة في الأذهان وبما أولته حكومتنا الرشيدة لها من عناية واهتمام وما أقيم بها من مشاريع للترميم والتطوير والتحسين وما يقام بها الآن من نشاطات وفعاليات وتحويلها لوجهة سياحية ثقافية، نافذة مشرقة تروي بكل الفخر لأبناء هذه البلاد وللأجيال المتلاحقة ولزوارها من الخارج ملاحم التضحية والفداء ونهج الخير والعطاء الذي انتهجه أئمة وقادة المملكة بثبات وميراث لا ينضب ولا يجدب من قيم وشيم أهل الصحراء، وصورة بهية للماضي العريق وهو يعانق الحاضر الزاهر ويحلق به دوماً نحو المستقبل بكل ثقة وعزيمة وإصرار.
وكل ما تمناه ونحن على تحتفل بيومنا الثاني لذكرى التأسيس وهي مناسبة باعثة للمسرة والاعتزاز والتذكير بمن بنوه وعززوا بنيانه وضحوا من أجله، أن يكون هناك تنسيق بين هيئة بوابة الدرعية ووزارة التعليم في تنظيم زيارات مجدولة للطلاب من كافة مدن المملكة ليعيشوا هذه التجربة الحية ويطلعوا عن قرب على شواهد التاريخ، وتحية إكبار وتقدير للقائمين على بوابة الدرعية ومشروعها الحضاري وما يبذلونه من وقتهم وجهودهم في المحافظة على تراث الآباء والأجداد وإعادة الوهج له من جديد وصيانته من الإهمال والعبث والضياع.