سليمان بن عثمان الفالح
بدأت كتابة التاريخ، ومجد هذه الدولة المباركة منذ عهد الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- بتوليه الحكم في الدرعية، وقيامه بتأسيس الدولة السعودية الأولى في النصف الثاني من عام 1139هـ الموافق 22-2-1727م، أي منذ ثلاثة قرون عريقة شاهدة على عمق تاريخ دولتنا، ورسوخ جذورها، وامتداد حضارتها، حين استطاع الإمام محمد بن سعود -رحمه الله- بتوفيق من الله - سبحانه - ثم بالنية الصادقة، والحكمة البالغة، والبصيرة النافذة، والعزم الواثق أن يتحمل المسؤولية، ويواجه الانقسامات والمشكلات، ويتجاوز العقبات والتحديات، ويقضي على حالة الفوضى والاضطراب، ويعلي كلمة الحق، ويوطد الأمن، ويجمع الكلمة، ويلم الشمل، ويرسي دعائم الاستقرار، فأسس دولة شامخة، وبنى كيانًا سياسيًّا ينعم بالوحدة والأمان، ويحقق النماء والازدهار تحت راية واحدة تقوم على أساس الدين والعدل، فأصبح الخوف أمنًا، والظلم عدلًا، والفقر رخاءً.
وبعد أن استتب الأمر للإمام المؤسس -رحمه الله- بذل جهده ووقته لنشر العلم والفضيلة، والدعوة للعقيدة الصحيحة، ومحاربة البدع والضلالات، والبدء في مرحلة التمكين والبناء لمسيرتها المباركة، من خلال تطبيق الشريعة الإسلامية في كل نواحي الحياة، وتشجيع العلم والعلماء، ورعاية مصالح الدولة، والاهتمام بأمورها الداخلية، وتقوية روابط المجتمع، والاستقلال السياسي، وتعزيز الاستقرار الإقليمي، وتنظيم موارد الدولة الاقتصادية، وتأمين طرق الحج والتجارة حتى أصبحت دولة موحدة، ذات مكانة وسيادة، لها شأنها ومكانتها، وحققت بتوفيق الله -سبحانه - ثم بقوة شخصية الإمام محمد بن سعود - رحمه الله-، وقدرته الإدارية، ورؤيته الثاقبة الكثير من المكاسب السياسية، والعديد من المنجزات الاقتصادية والمكتسبات الاجتماعية، فاتسعت رقعة الدولة، وتنامت مكانتها السياسية، وانتشرت العلوم والمعارف، وبرز الكثير من العلماء الكبار والفقهاء الأعلام، وازدهرت الحياة الاقتصادية، وأنشئت المؤسسات الإدارية المستمدة من الشريعة الإسلامية لتنظم شؤون الناس، وتهتم بخدمة المجتمع والرقي بمستواه المعيشي والحضاري بما لديها من الموارد والإمكانات.
إن الاحتفاء بيوم التأسيس هو استحضار للماضي بما أرسته الدولة السعودية من ركائز الصمود والوحدة والاستقرار، والدفاع عنها وصيانة مقدراتها، وافتخارًا بالحاضر بما تجسَّد في الوحدة الوطنية للمملكة العربية السعودية التي أرساها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود طيب الله ثراه، واعتزازًا بالمستقبل بإنجازات أبنائه الملوك في مواصلة السير على نهج الملك الموحد في رحلة البناء والوحدة، والتطوير والتنمية للوطن والمواطنين.
كما أنه يجسد العمق التاريخي، والامتداد الحضاري لقيمنا الإسلامية، وهويتنا الثقافية فالدولة السعودية ليست دولة حديثة العهد، بل هي دولة راسخة الجذور، شامخة البنيان، عظيمة الكيان نفخر بها ونفاخر بقيادتها في كل مجمع ومحفل.
إن الاحتفاء بيوم التأسيس يُجسد معاني الولاء ومظاهر الانتماء، ويؤكد قوة الارتباط بين المواطنين وقادتهم، ويذكر جيل الأبناء بالقيم والمبادئ، والبطولات والتضحيات التي بذلها الآباء والأجداد لبناء وطن متوثق بصدق العقيدة، ووطن يتمثل قيم الإيمان، وطن سداه الرفعة، ومدارج العزة والسؤدد، وطن يتمتع أهله بالأمن والرفاهية، فقد حظي الوطن والمواطنون في وطننا الغالي بعناية بالغة ورعاية كريمة من قيادتهم منذ يوم التأسيس إلى عهد التوحيد على يد الإمام الموحد- المغفور له بإذن الله - جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود طيب الله ثراه، ثم مواصلة أبنائه الملوك -رحمهم الله - مسيرته المباركة، والسير على نهجه في إكمال رحلة البناء، واستمرار التطوير، وتحقيق التنمية في جميع المجالات وكل الميادين، وصولًا إلى عهدنا الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله، الذي شهد وطننا نهضة تنموية كاملة، ونقلة حضارية شاملة في مختلف مناحي الحياة في ضوء الرؤية السعودية المباركة، لبناء حاضر مزدهر، وصنع مستقبل زاهر، فتحققت الإنجازات التنموية النوعية، والمكتسبات الاقتصادية الكثيرة، والمنجزات الحضارية العديدة، والنجاحات الصحية العظيمة التي نتفيأ ظلالها، وننعم بخيراتها.
حفظ الله قائد مسيرتنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمين رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكيّ الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز- حفظهم الله - وأدام على وطننا نعمة الأمن والأمان والاستقرار والنماء.