ناهد الأغا
تقاربت عقارب الساعة، وتلاقت مع بعضها بعضاً، في موعد تتوق الأنفس إلى تذكره، والوقوف على جمالياته، وتنفس عبق الألق الذي يسير في جنباته.
يوم التأسيس، يوم لن نستطيع احتساب ساعاته، ليس يوماً عادياً كباقي أيام العُمر، حقاً إنه يوم استثنائي بلا مُنازع، يُشعرني حين أقف على أعتابه، وكأنني أمسك سِفراً عظيماً، تزخر كل صفحة من صفحاته بسيرة ملحمة خالدة رُسِمت بألوانٍ مغايرة لم تبصرها عين من قبل ذلك.
يوم تلاحمت فيه البطولة والتضحية، وتضافرت مع فروسية نابعةٍ من روح الفداءِ والإيمان، والبناء على تُرابٍ تماسكت ذراته وازدادت صلابتها بالدم الغالي النفيس الذي امتزج فيها ممن سبقوا في درب المجد ومسالكه.
يوم، يُقرأ فيه جيلٌ ما كان على الأرض التي يعيش فيها من اجتماع وتوحيد ونماء وكرم وازدهار، وما ذاد فيه أجدادهم رحمهم الله لترفع راية واحدة موحدة، وتبقى عالية خفاقة، بالإيمان والحكمة والعزيمة، والإقدام، يقرأ الجيل سطوراً من نور لقرون ثلاثة مجيدة بدأت ومضت وسارت حتى عاشوا ألقها في يومهم هذا.
يوم، يعرف فيه القاصي والداني، كيف كانت المسيرة الوطنية عبر مراحل ثلاث، كانت كل مرحلة فيها حكاية تُروى فيها أعظم معاني الكبرياء، والحماسة، والأصالة.
عام (1727م) كانت بداية مسيرة الوطن المجيدة الساعية نحو مسالك العلياء والتماسك، وعلو البناء العمراني والإنساني، و تعزيز قيم الإيمان الحقيقي النقي من كل شائبة وبدعة، رحم الله الإمام محمد بن سعود، الذي أنهى عهد الانقسامات والتشرذم، وقامت على إثره دولة مترامية الأطراف أشرقت شمسها على أرض شبه الجزيرة العربية، حتى كربلاء شمالاً والحديدة جنوباً، واستمرت بالتوسع حتى عام 1233هـ/ 1818م.
عام (1891م) كان السعي الدؤوب نحو إعادة البناء لما كانت عليه الأمجاد حاضرة بعدما آل الأمر إلى سليل المجد الإمام تركي بن عبدالله راعي الأجرب، الذي بقيت الدرعية حاضرة في نفسه ووجدانه، واتخذ من مدينة الرياض المباركة السعيدة عاصمة للدولة السعودية الثانية، وقدم رحمه الله أنموذج رجل الحرب والسلم والسياسة والحكم، ووضع نهج دولة متكاملاً ومحدداً لكل من هم في صف أصحاب الحل والعقد والرأي والشورى والحكم والجيش، وأعقبه بالزعامة والقيادة رحمه الله أئمة حق وصواب رحمهم الله جميعاً.
أما المرحلة الثالثة، فهي الجوهرة النفيسة التي يكتمل العقد جمالاً بها، هي مرحلة الخير والخصب، والنماء، مرحلة ازدان التاريخ بتخليدها، كيف لا يُسطرها التاريخ المجيد، وقد سطر شاب مؤمن متقد بحماس وعنفوان وقوة مستمدة من إرث عظيم خالد لأئمة جادوا نحو الصواب والحق، كان المجد على موعد يوم يوم الخامس من شوال 1319هـ/ 15 يناير 1902م حينما دخل الإمام عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله إلى مدينة الرياض العزيزة عاصمة أجداده الأشاوس رحمهم الله، ووصل إلى قصر المصمك، مرسياً دعائم الدولة السعودية الثالثة، بخطى مباركة وثابتة وموفقة حتى أُعلِنَ عن قيام المملكة العربية السعودية الميمونة في جمادى الأولى 1351هـ الموافق 23 سبتمبر 1932م، فأكرم الله به من يوم وذكرى وعزة وإباء، واستمر العمل والبناء يوماً بيوم وشهراً بشهر وعاماً بعام وعِقداً بعِقد، والبناء يعلو ويزهو ويزدهر بحكمة ورؤى مشرقة من أبناء الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله، ففي سِفر تاريخ الوطن، تُضيء صفحات خالدة عنوانها الملوك الأفذاذ: سعود وفيصل، وخالد، وفهد، وعبدالله رحمهم الله جميعاً، وأسكنهم الفردوس الأعلى.
حتى جاء البِر والوفاء من ابن بار ومخلص، رمز عطاء وخير، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حادي الركب، وقائد مسيرة التقدم والريادة، من آمن أن اليوم هو حصاد أمسٍ كان مليئاً بكل ما هو خير وفضل، فما الاحتفال بهذا اليوم من قبل الملك والأب الإنسان إلا إيمان بعظيم الوفاء لأولئك الأبطال والأشاوس، وتعظيم الأرض العزيزة على قلوب الجميع، لتعبر إلى غدٍ يُرسم برؤية ثاقبة نحو أمجادٍ عز نظيرها، يقودها أيقونة الشباب عراب رؤية 2030 صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الذي أجاد قراءة الأمس العتيد الضارب في جذور التاريخ والمجد، ليكتب غداً مزدهر العناوين والمضامين.